بديلاً عن المؤسسات الحكومية: الهيئة العامة للدفاع المدني في درعا
شمرا علي*
ملاحظة: جميع الأسماء الواردة مستعارة
تشير التقارير إلى أن قوات “الجيش الحر” تتقدم سريعاً في محافظة درعا، والتي كانت أول محافظة سورية بدأت فيها الاحتجاجات بشكل فعلي في العام 2011. هذا العمل العسكري يوازيه نشاط مدني معارض، بدأ على الأرض منذ عام ونصف، تمثّل في تأسيس “الهيئة العامة للدفاع المدني في محافظة درعا”.
غابت خدمات الدولة عن أحياء درعا التي تسيطر عليها المعارضة، بعد أن تحولت مقرات المؤسسات الحكومية فيها إلى مراكز عسكرية شهدت معارك ضارية. ويقول أحد مؤسسي الهيئة الطبيب أبو النور (28 عاماً)، إن الهيئة وجدت لتقدم مختلف الخدمات الأساسية بعد أن بدا أن الصراع سيطول. وقد حاول مؤسسو الهيئة أن يقدموا العمل الإغاثي “ضمن إطار مؤسساتي منظم ما أمكن”، كما يقول أبو النور.
تعاني أحياء مدينة درعا من انتشار الأمراض نتيجة تراكم القمامة في الطرقات بسبب عدم ترحيلها بعد غياب البلدية، ويشكو السكّان من تسرب مياه الصرف الصحي في بعض الأحياء جراء تدمير المجاري نتيجة القصف المستمر، والذي أدى إلى سقوط أعمدة الكهرباء وقطع التيّار الكهربائي، ويقول العاملون في الهيئة إنهم يحاولون سد هذه الاحتياجات بالإضافة إلى تقديم الإغاثة الطبية.
هذه الخدمات تقدم إلى “مستحقيها” بغض النظر عن “الانتماء السياسي والطائفي والعرقي” بحسب الشعار الذي يتصدّر صفحة الهيئة على فيس بوك. لا يسود المنطقة أي اختلاط عرقي، حيث جميع السكان من العرب، إلا أن هناك مسيحيين يعيشون في منطقة شمال الخط، ويفاخر أعضاء الهيئة أنهم يقدمون الإعانة إلى هؤلاء الأهالي، وبينهم أبو جورج البالغ من العمر خمسين عاماً، والذي تعرض للإصابة بطلق ناري بعينه. عمل أعضاء الهيئة على تهريبه إلى الأردن لتلقي العلاج بعد أن تعذر تقديم العلاج له في المستشفى الميداني، إلا أنّ الرجل فقد عينه في النهاية.
يقول أبو النور إن الهيئة تحاول مساعدة العائلات على إيجاد عمل منتج، مثل توفير التدريب السيدات على ممارسة مهنة الخياطة، من أجل أن يكون لدى العائلة دخل ثابت، بالإضافة إلى توظيف النساء والرجال لقاء أجر شهري، بالإضافة إلى مشاريع مثل تدريس الأطفال الغائبين عن المدارس، وطبع كتيبات عن القانون الدولي وحقوق الإنسان، وُزّعت لعناصر “الجيش الحر” في المنطقة، بحسب أبو النور.
أم حيان ربة منزل، وأم لثلاثة أولاد، هي إحدى المستفيدات من خدمات الهيئة، تقول: “تقدم الهيئة سلة غذائية شهرية لعائلتي، يحدث أحياناً بعض التأخير فتصل السلة منتصف الشهر، بتنا نعرف أن السبب يكون صعوبة الحركة، أو تأخر وصول المساعدات للناشطين” وتضيف أم حيّان أنّ شباب الهيئة قد أعادوا ترميم بيت جيرانها بعد أن تهدم جزء منه اثر سقوط قذيفة عليه.
أمّا عن تمويل الهيئة ومواردها، فتقول رودي (27 عاماً)، إحدى المشاركات في تأسيس الهيئة: “نحصل على التمويل من خلال أعضاء في الهيئة يتواصلون مع أفراد ومنظمات إنسانية غير حكومية خارج سوريا، نقدّم لها تقارير عن الهيئة وعملها، مع التأكيد أن يكون الدعم غير مشروط، وبدون أي تدخل من الداعمين بعمل الهيئة وسياستها وأهدافها، فالمساعدات لا تتبع أي أجندة سياسية. ونحن نعتمد مبدأ الشفافية، ونقوم بنشر قيمة المبالغ التي تصلنا على صفحة الهيئة”.
وتقوم الصفحة بالفعل بنشر مثل هذه الأرقام، بالإضافة إلى نشر الموازنات السنوية المقترحة لمدينة درعا، دون نشر الأرقام المتعلقة بعملها في الريف.
وفي سياق عملهم، يواجه نشطاء الهيئة صعوباتٍ يعملون على تذليلها. يقول عمار (38عاماً)، وهو خريج كلية الإعلام، وأحد العاملين الميدانيين في الهيئة: “نعاني من ضعف التنظيم داخل المكاتب، لأسباب عديدة، أهمها صعوبة الاتصالات والتنقل، ونعمل جاهدين على تخطي هذه الصعوبات، مدعومين بثقة المدنيين المتعاونين معنا”.
في ما يتعلق بالعلاقة مع المسلحين، فهي لم تكن دوماً في أفضل حالاتها، حيث توقفت الهيئة عن العمل في شهر أيار/ مايو احتجاجاً على تعرض طبيب في المستشفى الميداني للضرب على يد عنصر من “كتائب شهداء حوران” بعد أن أصر الأخير على البقاء داخل المستشفى أثناء تقديم الإسعاف إلى رفيقه الجريح.
إلا أن عمار يؤكد أن علاقة “احترام متبادل” تسود بين الهيئة والفصائل المسلحة، لواء شهيد حوران، ولواء توحيد الجنوب، وكتائب أخرى تحالفت ضمن ما سمّي “تجمع 18 آذار” (مارس) التي قدمت سيارات نقل القمامة والجرافات إلى الهيئة، والتي كان يصعب على الهيئة تأمينها بسبب ضعف التمويل، كما يقول عمار.
رغم ما يواجه العاملون في الهيئة من صعوبات، فإنهم يتطلعون إلى توسيع عملهم، ليشمل محافظة درعا كاملة، ومن ثمّ نقل النموذج إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
تقول رودي: “بدأنا بتوسيع مناطق عملنا (في شهر أيار/ مايو)، حيث تمّ تأسيس مكاتب للهيئة، في بلدتي نصيب وتل شهاب في ريف درعا. وبالرغم من كل الأخطاء التنظيمية التي تحدث أحياناً، بسبب صعوبة التواصل، فيحدث تضارب بين فريقي عمل ضمن الهيئة، كأن يتم تفويت منطقة ما من لمّ القمامة بسبب اعتقاد كل فريق أن الآخر قام بالمهمة والصعوبات التي تواجه العمل نشعر بالتفاؤل، لأن ما نقوم به سيكون له دور هام في المستقبل”.
ويؤكّد زميلها أبو النور على ضرورة الاستمرار بأنشطة كهذه. “وإن لم تطل الثورة فإننا بحاجة لهذه المؤسسات بعد سقوط النظام لتقوم بعمل مؤسسات الدولة المنهارة”، يقول أبو النور.
* شمرا علي هو اسم مستعار لصحافية تقيم داخل سوريا