الحياة في دمشق بين غلاء الأسعار وطوابير الانتظار

رهيف غانم *

أزيز الرصاص وأصوات القذائف المسموعة في كل مكان من مدينة دمشق، التي تفيض بسكانها ونازحيها وزائريها ممن لم تمنعهم الحرب المشتعلة منذ عامين من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، ولم تنتزع منهم إرادة الحياة، رغم أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية اثر سلباً على طبيعة هذه الحياة ، وأضاف إلى المأساة معاناة… فأسعار الحاجيات الأساسية المرتفعة أصلا ارتفعت مرة أخرى وسط حالة معيشية متردية.

ملصق من شرطة المرور يشير إلى ارتفاع تعرفة سيارة الأجرة
ملصق من شرطة المرور يشير إلى ارتفاع تعرفة سيارة الأجرة

“ارتفاع قيمة صرف الدولار إلى أكثر من 300 ليرة سورية انعكس سلباً على المواطن وأدى إلى ارتفاع أسعار المحروقات الأمر الذي أدى لارتفاع أجور النقل بالإضافة لارتفاع أسعار السلع كافة بشكل كبير ومفاجئ”. هذا ما قاله أحمد البالغ من العمر أربعين عاماً وهو صاحب أحد المحال التجارية في منطقة الصالحية في دمشق مضيفاً “الخاسر الأكبر والوحيد من ارتفاع الأسعار هم أصحاب الدخل المحدود الذين لا يتجاوز متوسط مدخولهم الشهري الـ 15 ألف ليرة سورية، الحركة التجارية في البلاد أصبحت شبه معدومة، معظم التجار أغلقوا محلاتهم…”

يقول أنس (32 عاماً) وهو موظف حكومي “الأسعار أصبحت مرتفعة جداً والدخل ثابت لا يتحرك، أصبحت آخذ نصف حاجتي من المواد الأساسية، سواء الزيت أو الأرز أو السكر لأن هذه المواد وحدها كفيلة بالقضاء على الراتب، أما الحلويات والذهاب إلى المطاعم حتى الشعبية منها فقد أصبحت في قائمة المحظورات”. ولفت أنس إلى أن “أسعار الخضراوات ارتفعت بشكل كبير فقد وصل سعر كيلو واحد من البندورة إلى 120 ليرة، وكيلو الخيار وصل إلى 110 وكيلو الكوسا إلى 100 ليرة، ما اضطر الكثير من الأسر لتركيز وجبات غذائها على البقوليات مثل البرغل والأرز والعدس”.

لم يمض وقت طويل على انفراج أزمتي الغاز والمازوت التي عانى منها السوريون خلال الفترة الماضية حتى عادت إلى الواجهة من جديد، ولكن أقوى هذه المرة بعدما وقع وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك نهاية الشهر الماضي قراراً قضى برفع سعر ليتر المازوت إلى 60 ليرة سورية بعدما كان سعر الليتر قد تم رفعه إلى 35 ليرة بداية العام الجاري. أما الغاز المنزلي فسبق أن تم رفع سعر القارورة منه من 500 إلى ألف ليرة سورية.

أمام كل مركز توزيع للغاز تجد أرتالاً من نساء ورجال وفتية قد تجمعوا وسط صراخ وتزاحم وفوضى، تصطف أمامهم اسطوانات الغاز لتشكل رتلاً آخر موازياً لهم. هشام ( 38عاماً) يتحدث عن الطريقة التي يقوم بـ”تدليل” اسطوانة الغاز الممتلئة في حال الحصول عليها ويقول “لا نقوم بالطبخ عليها في حال وجدت الكهرباء، قمت بشراء طباخ كهربائي بسعر يفوق سعره الطبيعي، وبدأنا نطهو عليه خوفا من انتهاء اسطوانة الغاز. لا أستطيع الحصول على اسطوانة جديدة إلا بعد عدة اتصالات بمعارفي وأقاربي، وبسعر يشكل ثلاثة أضعاف سعرها الحقيقي”.

قامت الحكومة أخيراً برفع تعرفة ركوب سيارات الأجرة، في الوقت الذي كان السوريون يشكون من عدم التزام السائقين بالتعرفة المحددة سابقاً، والقيام بمضاعفتها عدة مرات، الأمر الذي دفع معظم السكان إلى العزوف عن ركوب سيارات الأجرة ما عدا الحالات الضرورية في الأغلب.

“أضحى ركوب سيارة الأجرة في دمشق مجرد رفاهية، بعدما كانت حاجة لاختصار الوقت وتجنب ازدحام المواصلات العامة، وذلك بعد ارتفاع أسعار الوقود”، يقول أبو خالد (42 عاماً) وهو سائق سيارة أجرة في دمشق، ويضيف “السلطات لم تقم بجهود كافية لجهة توفير الوقود بشكل جيد، ما أدى إلى ارتفاع سعره بالسوق السوداء بشكل مضاعف، متناسين مستوى الدخل المتواضع جداً للمواطن السوري، وما زاد الموضوع تعقيداً هو انتشار الحواجز العسكرية والأمنية في شوارع العاصمة دمشق، والتي تضاعفت في الفترة الأخيرة ما أدى إلى تقليل عدد الشوارع التي يمكن أن تمر بها السيارات والحافلات الخاصة والعمومية، الأمر الذي يزيد الازدحام وفترات الانتظار وهذا الأمر يجبرنا على رفع التسعيرة، فالسيارة تحتاج إلى مصاريف مثل البنزين و الزيت والصيانة الدائمة، ناهيك عن الوقوف لعدة ساعات أمام محطة الوقود يوميا”. وينهي أبو خالد حديثه بقوله “الحكومة الحالية هي وحدها من تتحمل كامل المسؤولية عما يجري في البلاد، فبدل أن تسهم الحكومة في تحسين وضع الناس نراها تعاقبهم أكثر”.

الأسباب التي ذكرها أبو خالد لم تقنع زكريا (30 عاما) الذي قال “أنا أفضل ركوب حافلات النقل العام ذات الخطوط الموحدة بشكل دائم حتى لو كنت على عجلة من أمري، أو ركوب السرفيس (سيارات الأجرة) والتي ارتفعت تعرفتها مؤخرا، لكنها تبقى مقبولة بالنسبة لي، فسائقو التاكسي يفرضون الأجرة على الزبون قبل صعوده إلى السيارة، وإلا فإنهم يرفضون توصيله في حال لم يقبل بتسعيرتهم المرتفعة،فبعض المناطق التي اقصدها لا تمر فيها الحافلات لذلك فأنا اضطر للتوجه إليها مشياً على الأقدام لأن كلفة أبسط التنقلات بسيارات الأجرة في هذه المناطق قد يصل إلى أكثر من 200 ليرة، وقد تصل إلى أكثر من 300 ليرة في بعض الأحيان، لمسافة قصيرة كان الزبائن يدفعون بدلها بين 25 إلى 75 ليرة في أحسن الأحوال قبل الأحداث. أما في حال كانت التوصيلة بين إحدى المناطق بالريف، فقد تتجاوز بكل سهولة 800 ليرة أو تزيد، وقد قامت سلطات الحكومة بمصادرة الدراجات الهوائية، ومن الصعب الاعتماد في المدن على الحيوانات الأليفة للركوب لذلك يبقى السير على الأقدام الحل المتاح حاليا”.

إجراءات الحكومة جاءت في وقت خسر العديد من الناس أعمالهم، فيما أثرت الأوضاع الاقتصادية على البلد بالكامل، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وانخفاض مستوى دخل الفرد من أجر يساوي نحو 300 دولار في الشهر إلى حوالي 70 دولارا في الفترة الأخيرة، نظرا لارتفاع سعر الدولار إلى 300 ليرة ،وحصول تضخم كبير في العملة ما افقدها الكثير من القوة الشرائية، إن انعدام قدرة الحكومة على فرض إجراءاتها والرقابة على صحة تنفيذها، كل ذلك أدى  إلى تجاوزات كبيرة دون وجود أي رادع قانوني، فيما يبقى المواطن السوري هو الحلقة الأضعف في كل ذلك.

 * رهيف غانم اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا