نورا الأمير من السجن الإنفرادي إلى “الائتلاف الوطني”
ياسمين مرعي
“يا قناص يا قناص… هي الرقبة وهي الراس… لم يكن هتافاً عبثياً، كانوا يهتفون وهم يعلمون أن قناصاً يترصّدهم. إنها الثورة، شرارة خرجت من تونس وكان لا بدّ أن تنير المنطقة”، هذا ما قالته الناشطة نورا الأمير (26 عاماً) مستهلة حديثها عن المظاهرات التي كانت تشارك فيها في بداية الاحتجاجات في سوريا في العام 2011 .
نورا الأمير اليوم عضو في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، دخلته في إطار التوسعة الأولى في أيار / مايو من هذا العام، كناشطة ميدانية “غير منضوية تحت أية هيئة وإنما كشريكة مع كل من يعمل بصدق لأجل الثورة”، بحسب ما قالت لـ”دماسكوس بيورو”.
وكانت الناشطة الحمصية نورا قد اعتقلت بعد مرور عام وثلاثة عشر يوماً على بداية الحراك الشعبي على خلفية نشاطها الثوري ميدانياً وإعلامياً. كانت في باص للركاب على طريق حلب عندما صعد عناصر الأمن للتفتيش، حيث عثروا بحوزتها على كاميرات للمكتب الإعلامي الذي كانت تنوي تأسيسه. تم وضع الأغلال في يديها وسيقت إلى فرع الأمن؛ أيام وتمّ تحويلها إلى السجن المركزي في حمص.
سبعة أشهر أمضتها في السجن لم تغير من قناعاتها: “لدي توجهي وهو سوريا الحرة فقط، وأنا على يقين بأن الثورة ستخلق فكرها السياسي المناسب لها خارج إطار التوجهات التقليدية”، تقول نورا وتضيف “رغبتي في إيصال صوت الشارع الغائب عن المحافل كانت قراراً صعباً؛ أردت له أن يصل ويعلو، علّني أستطيع أن أغيّر شيئاً، فإن لم أفعل أكون قد حاولت”.
تقلل نورا من أهمية الانتقادات التي توجه إلى “الائتلاف الوطني”، ورداً على سؤال حول ما يشاع عن الأجور المرتفعة التي يتقاضاها بعض أعضاء الائتلاف، والتي دفعت مناصري المعارضة إلى التعبير على سخطهم على صفحات التواصل الاجتماعي، تجيب “إن جميع الأعضاء المتفرغين يتقاضون تعويضاً معيناً لا أعرف قيمته”، مضيفة أن ذلك طبيعي في مؤسسة كالائتلاف، وصرف رواتب المتفرغين ضمن إمكانيات ميزانية لا يمكن أن يشتري ولاءات ولا يمكن أن يكون ورقة ضغط لتبنّي أو للتخلي عن موقف”.
وفي ما يتعلق بتوسعة الائتلاف ليضم وجوهاً جديدة والدور الذي يمكن أن يلعبه في تحسين التمثيل الذي يؤديه، اعتبرت نورا أن تحسين التمثيل “لا يمكن تعليقه على التوسعة كقرار بقدر ما يتحمله الأعضاء الجدد، سيما أعضاء الحراك الثوري، وذلك من خلال تعميق التواصل مع الثوار الميدانيين و طرح رؤاهم أمام الائتلاف”.
نورا الأمير لا ترى رابطاً بين دور المرأة السورية الثوري والعلمانية، ولا في التوجه الإسلامي سبباً لإقصائها، فهي تعتبر “أن المرأة حطمت خلال الثورة كل ما تراكم من تابوهات. وتقول “نحن كنساء نحارب بنية مجتمع ذكوري أيا كانت الأقنعة، وهنا آمل أن تأخذ القضية أبعادها الحقيقية لا أن يتم تقزيمها إلى صراع سطحي، فقضية المرأة أكبر من أن تحجم في هذا الإطار فقط”.
لم يكن انخراط نورا الأمير في الثورة طارئاً أو وليد لحظته، فالتغيير الذي سعى إليه بعض السوريين في ربيع دمشق وفي إعلان دمشق2001 و2004 كان يكبر مع أحلامها. كانت تنشط بهدوء ككثير من طلاب جامعة حمص وأساتذتها، الذين اعتقل منهم الكثير بين عامي 2006 و2008 وما زال بعضهم في السجون حتى الآن.
نورا الأمير جربت الاعتقال بدورها وهي تصف هذه التجربة، قائلة “كنت أجلس في المنفردة (السجن الإنفرادي) مختصرة عدوي في الحديد، الدبابة حديد… قفل باب زنزانتي حديد… القضبان حديد… الأغلال التي وضعت في يديّ حديد… ووجه السجّان بارد كالحديد، لا انفعالات فيه إلا إذا أراد أن يحرقك فيتوهج كالحديد المحمّى”.
تخبرنا عن أصوات القصف التي كانت تتداعى إلى مسمعها وأصوات الهتاف “لا أدري إن كنت أسمعها حقيقة أم أني كنت أتخيلها، إلا أن صوت القصف، ورغم ما كان يولده من خوف على أهلي ورفاقي وتساؤل عن هوية الراحل منهم بسبب هذه القذيفة أو تلك، كان يبعث في الأمل باستمرار الثورة، فلولا وجود الناس، ودوام الحراك ما كان القصف ليستمرّ”.
تقول نورا إنها بعد أن خرجت من السجن، لم تفقد ثقتها بالناشطين الذين عرفتهم وعملت معهم لأكثر من عام، كما تقول إنها لم تفقد عزيمتها على مواجهة النظام.
وتتابع نورا، “كنا نعلم ان النظام سيقصف ويقتل ويشرد، لأنه تأسس على الأشلاء والدم وسيدافع عن بقائه بالأشلاء والدم أيضاً. لقد استمدّ قوته عبر هذه السنوات من جهلنا وعجزنا، وعرف كيف يختصر أحلام الشباب السوري بشهادة جامعية وعقد عمل في هذه الدولة أو تلك، لكن ما فاته هو قدرة الشعوب على التغيير عندما تريد”.
نورا لا تهتم كثيراً بمقولات تمثيل الشباب في الائتلاف، وهي لا تعرف عددهم بدقة فالعمر في نظرها ليس معياراً وحيداً، “فرب ناشط شاب نلتقيه وفي ذهنه عقلية عجائز السياسة”.
وأخيراً تتوجه نورا إلى الشباب الذي غادر سوريا بالقول “ارجعوا… ارجعوا… الشهيد الذي رحل ترك لنا حلمه بسوريا حرة قبل أن يمضي”.