الكنوز الأثرية السورية عرضة للنهب والتدمير

رهيف غانم*

في سوريا يعاني الحجر كما البشر من ويلات الحرب المشتعلة، و إلى جانب المأساة الإنسانية المستمرة في البلاد يطال القصف والدمار والتخريب الكثير من المواقع الأثرية، ويبدو من المستحيل إحصاء حجم الضرر الذي لحق بهذه الآثار لكثرتها وانتشارها، وإن قدّر بمليارات الدولارات، ففي كل مدينة يوجد كم هائل من الآثار ومن المواقع الأثرية بالإضافة إلى مدن مصنفة أثرية كما هي حال “تدمر” التي تقع في وسط البلاد ومدينة “بصرى الحرير” في محافظة درعا جنوباً.

“أكثر ما يؤسف أن يقوم أبناء البلد ممن لا يُقدرون قيمة الآثار بسرقتها وبيعها”، هذا ما قاله أحد موظفي مديرية الآثار والمتاحف في مدينة الرقة ويدعى خالد (29 عاماً) “أغلب المواقع الأثرية ومواقع التنقيب قد حفرت من قبل بعض الأهالي وبعض اللصوص، بالإضافة لبعض فصائل الجيش الحر بشكل فردي وبدون تنسيق، كما قامت قوات النظام في فترة سيطرتها على المدينة، بنقل معظم مقتنيات متحف الرقة إلى المصرف المركزي للحفاظ عليها، فيما سرق ما تبقى من المتحف حين تعرضت المدينة للفوضى، وحين دخل عناصر الجيش الحر إلى المصرف المركزي بعد تحرير الرقة في الخامس من شهر آذار/ مارس الماضي لم يجدوا أي قطعه أثرية داخله”.

صور لبعض الآثار السورية المهربة والتي ضبطتها االقوى الأمنية اللبنانية - الصورة نشرتها صفحة حماية الآثار السورية على موقع فيس بوك
صور لبعض الآثار السورية المهربة والتي ضبطتها االقوى الأمنية اللبنانية – الصورة نشرتها صفحة حماية الآثار السورية على موقع فيس بوك

من جهته يقول صلاح (عنصر في جبهة ثوار سوريا في دير الزور) “في متحف دير الزور يوجد الكثير من القطع الأثرية وخاصة القطع ذات الإحجام الصغيرة، و قد بدأت عمليات السرقة في المتحف من قبل كتيبة المهام الخاصة التابعة للمخابرات الجوية بالمنطقة الشرقية … تم بيع احد التماثيل الذي يعود تاريخه إلى 3500 سنة ق.م  داخل المدينة بسعر بخس جدا…   وعند معبر حدودي مع العراق توجد سوق لبيع الآلات الصناعية… اللافت للنظر في هذه السوق، تواجد عدد من المحلات التي تقوم  ببيع الآثار من متحف دير الزور، مع شهادات تثبت عمرها الحقيقي، ودلائل على أنها غير مزيفة”. ويضيف صلاح “سنحت الفرصة لعدد من الكتائب التي امتهنت السرقة بدخول المتحف لعدة ساعات، وسرقوا ما يستطيعون حمله من ألواح رقمية وأشكال تمثيلية، تعود لعصور ما قبل الميلاد، ثم قاموا بتهريبها إلى تركيا عن طريق مدينة القامشلي، والى العراق عن طريق مدينة البوكمال الحدودية”.  ويروي صلاح كيف تعرضت مناطق كثيرة للسرقة في ريف دير الزور مثل البصيرة والتي تعود أثارها للعصر الروماني, والعشارة التي تبعد عن المدينة مسافة  45 كيلو متراً وفيها تل مدينة ترقا الأثرية، وتعود هذه المدينة للحضارة البابلية، بالإضافة إلى سرقات كبيرة في كل من حلبية و زلبية والخابور والصالحية،  ويوضح صلاح “أنها مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الحر (المعارضة المسلحة)، وقد تعرضت للسرقة من قبل بعض ضعاف النفوس من الأهالي وبعض عناصر الجيش الحر، كما أن اغلب القطع المسروقة في الميادين والعشارة و القورية، سرقت عن طريق شخصيات قوية بالعشائر المتواجدة بالريف، ولا احد يستطيع محاسبتهم بسبب تسليحهم القوي”.

وبحسب أبو عبد الله وهو من المهتمين بحماية الآثار والتراث الإنساني في مدينة تدمر، فإن متحف المدينة يضم الكثير من القطع الأثرية، كما يحتوي القبو فيه على العديد من القطع الغير مسجلة، والتي لا احد يستطيع التعرف عليها إن كانت سرقت أو لا، بسبب خضوع المتحف لسيطرة قوات النظام التي يتهمها بسرقة لوحتين من الفسيفساء. ويقول أبو عبدالله “طلب مدير المتحف  من الضابط المسؤول عن القوات النظامية في المدينة إعادة اللوحات المسروقة إلى المتحف لكن طلبه قوبل بالرفض، كما أن المتحف يخضع حاليا لحراسة مشددة”. ويضيف “هناك العديد من الأهالي قاموا بالتنقيب عن الآثار وسرقتها بشكل فردي، بالإضافة إلى عدد من المجموعات المحسوبة على الجيش الحر”. ويشير عبدالله إلى عدد من المواقع التي استهدفتها أعمال التنقيب وبعضها بالقرب من معبد “بل” الأثري الذي تعرض للقصف أخيراً، وخارج تدمر على طريق المقالع وفي منطقة السبع بيار.

ويتهم أبو عبدالله مجموعات من المعارضة المسلحة بالتنسيق مع أحد ضباط الأمن في فرع البادية التابع للجيش السوري ويدعى عمار محمد ديب وهو برتبة رائد ركن، ويروي أبو عبدالله عن كمين تعرض له ديب في منطقة السبع بيار بعد عودته من تفقد عمليات التنقيب، حيث أصيب بجروح. ويشير أبو عبدالله إلى أن الجيش السوري كان يعمل على شق طريق عسكرية في منطقة مضمار السباق الأثرية تربط مقر فرع البادية الأمني بقلعة فخر الدين المعني الثاني المعروفة أيضا بقلعة تدمر الأثرية، مرجحا العثور على لقى أثرية كثيرة متوقعا أن تكون قد سرقت وهربت. ويضيف أبو عبدالله “يوجد العديد من الأشخاص الذين يمتهنون التنقيب وسرقة الآثار هم حاليا محسوبين على الجيش الحر أمثال موسى مطلق الشعيل وهو حاليا قائد لإحدى كتائب الجيش الحر”.

وقد أظهر تقرير لفريق “جمعية حماية الآثار السورية” تعرض العديد من المتاحف لأضرار مختلفة، شملت القصف والتدمير والتكسير والسرقة, ويحمل التقرير السلطات السورية والمنظمات الدولية المعنية مسؤولية التقاعس عن حماية الآثار في سوريا، ويوضح التقرير الذي نشرته الجمعية ومقرها مدينة ستراسبورغ الفرنسية على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فايس بوك, أن “متحف حمص” الأثري تعرض لعدد من الانتهاكات, حيث أن المتحف يشكل خط تماس بين قوات المعارضة المسلحة والجيش النظامي. بالإضافة إلى عدد من عمليات السرقة والنهب والتدمير طالت عدداً من المتاحف في إدلب وحلب والرقة ودير الزور.

وتتمتع سوريا بتراث أثري وتاريخي بالغ الأهمية, حيث يوجد فيها ثمانية وثلاثين متحفاً تتوزع على غالبية المدن والمحافظات، وتضم في خزائنها مئات الآلاف من اللقى والتحف الأثرية والتراثية التي تعود لأزمنة مختلفة.

الأخصائية في الحفاظ على الإرث الحضاري العالمي ايما كونليف أعدت دراسة حول تأثير الحرب على الآثار في سوريا، كشفت أن جميع المواقع الأثرية في البلاد دون استثناء قد تضررت، وأن أجزاء من حلب أصابها دمار لا يمكن إصلاحه. واعتبرت أن هذا لوحده يعتبر كارثة، ولكن الدمار الذي لحق بحلب لا يمثل إلا جزءا من الصورة الكبيرة  القاتمة. حيث أن ما تمكنت من تسجيله عن الدمار ملأ 200 صفحة.

إلى ذلك يعتبر الناطق باسم “جمعية حماية الآثار السورية” جابر ملك أن “الدمار ليس هو الحدث الوحيد الذي يقع على الآثار السورية, فهناك عمليات التنقيب والسرقة التي يقوم بها بعض الأشخاص او بعض العناصر من الطرفين المتنازعين, لكن ما هو اخطر من ذلك هو الحفر الشبه منظم داخل المواقع الأثرية، والذي تقوم به العصابات المنظمة التي تأتي مزودة بخرائط ومعلومات مسبقة وتقوم بسرقة اللقى الأثرية وبيعها في السوق السوداء وفي الدول المجاورة”.

وكان جهاز الأمن العام في لبنان أعلن اخيراً عن توقيف عنصرين من عصابة لتهريب الآثار السورية إلى الأراضي اللبنانية وضبط كمية من هذه الآثار التي تبين بعد الكشف عليها أنها بيزنطية ورومانية وآرامية تمت سرقتها من مدافن في تدمر وكنائس في حمص.

وتشير التقديرات وبحسب مصادر مختلفة إلى أن قيمة الآثار السورية المهربة إلى الخارج تصل إلى ملياري دولار أميركي.

*رهيف غانم هو اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا