مؤيدون ومعارضون ضد مرسوم العفو العام الأخير في سوريا
ملاحظة: قام فريق التحرير بتغيير أسماء المتحدثين وإخفاء اسم الكاتب حفاظاً على سلامتهم
منذ بدء الحراك الثوري في سوريا، أصدر الرئيس بشار الأسد عدة مراسيم بالعفو العام، في إطار تفاعل النظام مع الأحداث الجارية. وعلى عادتهم، يتقبل المؤيدون تلك المراسيم، ويبررونها، كما يفعلون مع كافة القرارات الصادرة عن النظام، في حين يرفضها المعارضون، ويفندونها كحالهم مع كلّ إجراء يقوم به النظام. غير أنّ مرسوم العفو الأخير، الذي أصدره الرئيس السوري بتاريخ 19 نيسان/ أبريل 2013 ، والذي يمنح عفواً عاماً عن الجرائم المرتكبة قبل 16 نيسان/ أبريل 2013، جمع الكثير من المؤيدين والمعارضين على موقف واحد، هو عدم الرضا عن هذا العفو، ورفضه صراحةً، وإن انطلق كل طرف من أسباب مختلفة.
تقول كفاح (31 عاماً)، وهي ناشطة سياسية معارضة، “يصدر النظام مراسيم العفو لسببين: أولاً الضغط السياسي العام الواقع عليه بخصوص المعتقلين السياسيين، فيجد العفو مخرجاً لكف الضغط. وثانياً حاجته لاستخدام هذه المراسيم في كسب التأييد الشعبي، وإيهام الرأي العام العالمي أنه يسعى لحل سياسي، فيستغل العفو إعلامياً لإثبات ذلك”. ولا تعتقد كفاح أن المرسوم الأخير يختلف في جوهره عن غيره من المراسيم السابقة، المرفوضة بالنسبة لها شكلاً ومضموناً، “لم يطلق النظام من خلال المراسيم السابقة أيّاً من المعتقلين السياسيين أو النشطاء السلميين، ويمكن مراجعة قوائم المعتقلين للتأكد من ذلك، بدليل استمرار اعتقال أشخاص مثل مازن درويش، وإياد شربجي، وعبد العزيز الخير، ورامي هناوي… وغيرهم”.
ويتفق أحمد (61 عاماً) وهو موظف متقاعد، مع كفاح في رفض المرسوم، ولكن من موقع المؤيد للنظام، “لا أعتقد أن الاستمرار بإصدار مراسيم العفو سيغير من الواقع شيئاً، لقد جربناها أكثر من مرة، وفي كل مرة يخرج مجرمون، ومرتكبو جنايات، ليعودوا لارتكاب المزيد من الجرائم وأعمال التخريب، ويتسببون بالمزيد من التوتر الأمني في البلد. هذا يجعل الأمور تزداد سوءاً، وخاصة في هذه الأزمة”.
قبل إصدار مرسوم العفو الأخير، لم يكن التململ قد تسرب بشكل واضح إلى أوساط الشارع المؤيد، فكثيرون قد ضاقت بهم الحال وتأزمت أوضاعهم بسبب الأحداث الجارية، وما رافقها من فلتان أمني أحياناً، ولم يعد باستطاعة هؤلاء غض النظر عن قيام السلطة بالعفو عمّن يجرمون بحقهم وحق غيرهم من الأبرياء، أيّاً تكن المبررات والذرائع. هناء (42 عاماً) ربّة منزل، من سكان دمشق، واحدة من أصحاب هذا الرأي.
“المجرم يجب أن ينال جزاءه، والعفو يكون في غير هذه الأوقات الصعبة التي تعيشها البلد. ما ذنبنا أن يعفى عن أشخاص سيئي السلوك والسمعة، ليعودوا إلى إيذائنا وإيذاء أبنائنا؟” تقول هناء. وقد عبّرت عن شعورها بالاستياء الشديد من مرسوم العفو، خصوصاً وأنّه قد شمل شخصاً سبق له التعرّض لإبنها. تضيف هناء “في حيّنا أزعر مدمن مخدرات، ضرب ابني الجامعي وهدده في شجار مفتعل لسرقته. لم نقم بالإدعاء ضده لأنه وعائلته سيئو السمعة وقادرون على إيذائنا. وكم انفرجت أساريرنا عندما قبض عليه هو وأحد أخوته بتهمة التعاطي، إلى أن فوجئنا به يخرج من السجن بعد هذا المرسوم. شعرت بالقهر والظلم عندما خرج. أنا لا أفهم في السياسة ولكنني متأكدة من أن إخراج المجرمين خطأ كبير يتكرر مع كل عفو”.
وفي نقد قانوني لمرسوم العفو، يتوقّف المحامي محمود (34 عاماً) عند دستوريّة هذا المرسوم، يقول “جعل الدستور الجديد إقرار العفو العام من اختصاص مجلس الشعب في المادة /75/الفقرة /7/… وأعطى لرئيس الجمهورية إقرار العفو الخاص، وكما أعطاه إمكانية التشريع في المادة /113/ الفقرة /1/ التي تقول: يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب، أو أثناء انعقادها إذا استدعت الضرورة القصوى ذلك، أو خلال الفترة التي يكون فيها المجلس منحلاً”. يشدّد محمود على عبارة “إذا استدعت الضرورة القصوى ذلك” ويتساءل: “ما هي الضرورة القصوى التي استدعت إقرار أربعة مراسيم عفو من قبل رئيس الجمهورية خلال سنتين؟” في إشارة إلى أن مجلس الشعب كان يمكن له إقرار عفو عام خلال جلساته التي عقدها بدل حصر هذه الصلاحية بيد الرئيس وحده وبخلاف الدستور.
أمّا المحامية زينب (36 عاماً)، فتتحدث عن فجوات عديدة حملها مرسوم العفو. تقول زينب “لم يشمل العفو ما سمي بجرائم الإرهاب ومن يحاكم أمام محكمة الإرهاب، وهنا تجب الإشارة أن كل الجرائم التي شملها العفو تحال الى القضاء بطرق منصوص عنها بالقانون، إما بادعاء مباشر أو عن طريق النيابة العامة، أو بشكوى”، وتضيف زينب “الخطير في الأمر أن من يحاكمون في محكمة الإرهاب، يحالون إليها عن طريق الفروع الامنية، التي لا تمت للقضاء بصلة، تحت مسميات واتهامات جاهزة ومتنوعة، الى قضاء استثنائي وهو “محكمة مكافحة الإرهاب”. وكثيراً ما يبقى المتهم موقوفاً لا يدري أحد عنه شيء حتى يصل إلى المحكمة، وقد تستغرق قضيته عدّة أشهر ليتبين بعدها أنه بريء مما نسب اليه”.
وكان وزير العدل السوري نجم حمد الأحمد وفي تصريح له أوضح أن “المرسوم لم يستثن من أحكامه إلا عددًا محدودًا للغاية من الجرائم لا سيما جرائم الخيانة والتجسس والجرائم الارهابية”. وعادة ما يستخدم النظام في دمشق كلمة الجرائم الإرهابية للإشارة إلى أعمال المعارضة المسلحة.
نيرمين (29 عاماً) وهي صحفية، لا تعتقد أن تنفيذ هذه المراسيم يتمتع بمصداقية حقيقية. تقول نيرمين “يتم الافراج عن أصحاب الجنايات البسيطة المتعلقة بالسرقة والنهب والنصب والاحتيال، أما أصحاب الرأي السياسي المعارضين فالعفو لا يشملهم، وإن شمل بعضهم، يكون ذلك على مبدأ خيار وفقوس (مثل شعبي للدلالة على التمييز غير العادل بين فئتين من الناس) أي أن تنفيذ المراسيم تجتاحه الرشاوى والوساطات للإفراج عن معتقل”. وبرأيها أن إصدار مراسيم العفو ليس كافياً لإعادة الثقة بين الحكومة والشعب. “إذا كانت الحكومة تود إعادة الثقة بينها وبين شعبها من خلال هذه المراسيم، يجب أن يتم الافصاح عن الأسماء لا أن تبقى رهن المتنفذين الذين يضربون بعرض الحائط القوانين والمراسيم” تضيف نيرمين.