“مالا جل” أو “دار الشعب”: مؤسسات للإدارة المحلية في القامشلي
بختيار حسن
“مالا جل” اسم كردي لمؤسسة مدنية، انتشرت في المناطق الكردية من سوريا بعد بدء الثورة بأشهر. ويعني المصطلح باللغة العربية “دار الشعب”. ويوجد في مدينة القامشلي ستة “دور للشعب” موزعة على أحياء المدينة ذات الغالبية الكردية وتهدف إلى تقديم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والسهر على أمن سكان المدينة، بعد انحسار دور المؤسسات التابعة للحكومة على الأرض، ومن ضمنها بلدية القامشلي. ويقول أحمد فتّاح رئيس “دار الشعب” في الحي الغربي: “أبواب المؤسسة مفتوحة لكل المواطنين بغض النظر عن عرقهم ودينهم. فنحن لسنا حزباً سياسياً ولا جماعة دينية”.
زائر “دار الشعب” في حي قدور بك يلاحظ عند المدخل وجود علم “حركة المجتمع الديمقراطي” الكردية، الذي يتكون من الأحمر والأصفر والأخضر، وصورة القائد الكردي عبد الله أوجلان في الداخل، وهو مظهر معمم على كافة دور الشعب هذه. ولكن خالد شيخموس الذي يتولى رئاسة “دار الشعب” في هذا الحي يؤكد أن لا علاقة له بالأحزاب والتيارات السياسية في المدينة. “دور الشعب” هي فكرة عبد الله أوجلان وهي جزء من فلسفته حول الإدارة الذاتية الديمقراطية التي لم يقدمها للأكراد فقط بل هي للجميع في القامشلي، يقول شيخموس. ويلقى هذا الكلام تأييداً من عضو آشوري في الدار هو بطرس أبو عنتر.
رغم هذه التأكيدات من العاملين في “دور الشعب”، إلا أنه لا يخفى على أحد أن مدينة القامشلي مقسمة سياسياً بين نفوذ الأكراد والعرب والمسيحيّين، وهم بمعظمهم من الآشوريين والسريان، وليس بمقدور أي طرف من الأطراف أن ينشط في مناطق نفوذ الآخر. في الأحياء الكردية تتواجد “حركة المجتمع الديمقراطي” التي ينتمي إليها بعض العاملين في “دور الشعب” مثل أحمد فتاح. و”حركة المجتمع الديمقراطي” جزء من الحراك السياسي الكردي في المنطقة المرتبط بحزب العمال الكردستاني وزعيمه أوجلان. ولكن هناك أيضاً بعض المستقلين والأعضاء من أحزاب كردية أخرى ومن العرب والمسيحيّين، الذين ينشطون في “دور الشعب”.
يتألف “دار الشعب” الذي يتم انتخاب أعضائه محلياً من مجموعة لجان، منها لجنة الصلح التي تهتم بحل الخلافات بين الناس، لجنة الخدمات وتتولى توزيع المساعدات الإنسانية وتنظيف الشوارع ومحاولة إصلاح أعطال شبكة الكهرباء والماء والصرف الصحي. هناك أيضا لجنة الحماية التي تشرف على أمن الحيّ عبر دوريات حراسة ليلية غير مسلحة، لجنة المجتمع وتتولى حل المشاكل الأسرية والزوجية والخلافات بين الجيران، ولجنة المرأة التي تهتم بشؤون المرأة وقضاياها. تجدر الإشارة إلى أن للمرأة حضورها الفاعل ضمن هذه اللجان.
يقول جمعة درويش عضو “دار الشعب” في الحي الغربي: “جاءتنا مواد إغاثية محدودة من إقليم كردستان العراق ومن أكراد تركيا عبر الهيئة الكردية العليا وأدوية من “الهلال الأحمر السوري”… وزعنا المساعدات على سكان المدينة دون تمييز “. ويشير درويش إلى أن “دار الشعب” يقدم خدمات طبية للأشخاص والعائلات الفقيرة، وذلك بتوجيههم إلى عيادات منظمة “الهلال الأحمر الكردي”، ومقرها في القامشلي، حيث يتلقون العلاج والدواء وبإمكانهم جراء العمليات الجراحية إذا استدعى الأمر.
ورداً على سؤال لموقع “دماسكوس بيورو” أوضح درويش أن أعضاء “دور الشعب” لا يتقاضون بدل أتعاب أو رواتب بل هم يتبرعون من جيوبهم الخاصة لتسيير العمل، وهناك بعض المساعدات النقدية التي تصل من المهاجرين الأكراد في أوروبا. وكشف درويش أنه هو من يدفع إيجار مقر “دار الشعب” في الحي الغربي كما وضع شقة يملكها بتصرف لجان “دار الشعب”.
الخدمات التي تقدمها “دور الشعب” في القامشلي تطال النازحين القادمين من محافظات سورية أخرى أيضاً. تقول ليلى ماردلي، التي نزحت مع عائلتها من حلب إلى القامشلي قبل ثمانية أشهر: “دار الشعب في الحي الغربي فتح لنا هذه المدرسة التي تأوي حوالي خمسين عائلة نازحة. يقدم لنا مؤونة غذائية شهرية ووزّع علينا أيضاً فرش وبطانيات وأعطى بطاقات تأمين صحي نحصل بموجبها على الخدمات الطبية مجاناً. أمّا الأدوية فلا ندفع سوى 10 بالمئة من ثمنها”.
أما فاطمة الصالح التي نزحت مع عائلتها من جسر الشغور إلى القامشلي قبل ستة أشهر فهي تستلم مؤونة شهرية تتكون من البرغل والأرزّ والزيت والعدس وبعض المعلّبات، ولكنها لا تشمل حليب الأطفال. وتقول فاطمة الصالح: ” أكثر شيء نحتاجه هو حليب الأطفال والحفاضات والخبز. ولا أحد يعطينا النقود لنشتري ما نحتاجه. وفي أكثر الأحيان ينام أطفالي جائعين”. ويكمّل يوسف حمادي زوج فاطمة الحديث ويقول: “من فترة وزعوا الحفاضات وأخذنا هذا الكيس لكنه لا يكفي”.
وتنشط “دور الشعب” في حل النزاعات بين سكان الأحياء المختلفة في القامشلي. ويقول موسى أبو عكيد رئيس لجنة الصلح في “دار الشعب” بالحي الغربي: “لا نتدخل في حل أي نزاع إلا إذا قَبِلَنا كلا الطرفين حَكَمَاً بينهما”.
بلغ عدد النزاعات التي حلتها دور الشعب في القامشلي حوالي 1000 نزاع، بحسب ما قاله رئيس لجنة الصلح في “دار الشعب” بحي قدور بك شكري أبو إدريس. وأضاف: “نحن نسوي النزاعات بين الناس حسب قوانين المجتمع الأخلاقية والضمير والعرف والتقاليد الجيدة ومبادىء العدالة الإنسانية”. ولكن طريقة حل المشكلة التي كان يواجهها برصوم بطرس تشير إلى أن طريقة الحل ترتكز على العرف والتقاليد بالدرجة الأولى.
برصوم بطرس مسيحي من القامشلي هربت ابنته مع شاب كردي مسلم وتزوجا. هذا الزواج يعدّ خرقاً للتقاليد الدينية التي لا تسمح بالزواج من أتباع ديانات أخرى. فقام أخو الفتاة تحت ضغط التقاليد بقتل أخته وبقي في السجن سنتين. يقول برصوم بطرس: “بقيت قضيتي في محكمة الدولة خمس سنوات. وفي النهاية حكمت عليّ بالسجن عشر سنوات بتهمة التحريض على القتل. قررت الهرب من سوريا قبل تنفيذ الحكم. إلا أنّ بعض أصدقائي نصحوني باللجوء إلى دار الشعب”. لم تبق قضية برصوم بطرس في “دار الشعب” سوى شهرين وتم حلّها بإقناع الشاب المسلم بالتنازل عن حق الادّعاء. وبعد هذه الواقعة تلقى صندوق التبرعات في دار الشعب مساعدة بقيمة 50000 ليرة سورية من بطرس.
وبعض النزاعات لا يمكن حلها في “دور الشعب”. فهذه هزار حبش امرأة مسنّة وضعت مبلغ مليون ليرة سورية عند رجل ليستثمرها في الزراعة. إلا أنّ الأخير ينفي أن يكون قد استلم مثل هذا المبلغ من المدعية. تقول هزار حبش: “منذ سنة ونصف وضعت قضيتي لدى “دار الشعب” في حي الكورنيش وإلى الآن لم يتم حلّها”. والمدّعى عليه يرفض حتى الحضور إلى “دار الشعب” للإفادة بأقواله.