هل “الجيش الحر” لا يتسع لغير الإسلاميين؟
ملاحظة: قام فريق التحرير بتغيير أسماء بعض المتحدثين حفاظاً على سلامتهم
يروي طارق (34 عاماً) الحادثة التي أدت إلى إبعاده عن كتيبة “جلّق” في “الجيش الحر” في الغوطة الشرقية (انحلّت الكتيبة بعد وقوع عدة انشقاقات عنها)، التي كان يعمل ناشطاً إعلامياً ضمن صفوفها لمدة خمسة أشهر.
انتماء طارق إلى الطائفة الدرزية وتوجهه العلماني كانا كفيلين بجعل أحد المقاتلين، الملقب بـ “أبو الفتح”، يضع المسدس على الطاولة ويوجه إليه تهديداً مبطناً بالقتل، عبر القول “لم نجرب هذا المسدس بعد”، بحسب ما يروي طارق، الذي يقول إنه اتُهم بالكفر والإلحاد.
وقد قدم طارق الذي كان يعمل قبل اندلاع الثورة تقنياً في الحوسبة من دمشق إلى الغوطة الشرقية بعد أن تعرض للملاحقة الأمنية وثم الاعتقال بسبب نشاطه السياسي المعارض. تعرّف طارق من خلال العمل الإغاثي على بعض أهالي المنطقة، الذين ساعدوه على الانتساب إلى “الجيش الحر”، فعمل ناشطاً إعلامياً بعد مرور عدة أشهر كانت ضرورية لكي يكسب ثقة قادة الكتيبة بسبب انتمائه الطائفي.
هذا الانتماء الطائفي حكم طارق بالسعي إلى تأسيس كتيبة مقاتلة معظم أعضائها من الدروز وتحمل اسم “كتيبة بني معروف”، وذلك في شهر كانون الثاني/يناير. وتضم الكتيبة أيضاً بعض أبناء الأقليات وتقاتل تحت لواء المجلس العسكري في محافظة السويداء.
تعبّر قصة طارق عن اختلافات بدأت تظهر داخل صفوف المعارضة المسلحة مع سيطرة التوجه الإسلامي عليها، مما جعل من الصعب على المقاتلين أو الناشطين في الهيئات التي تساندها من ذوي التوجه العلماني أو ممن ليسوا مسلمين سُنة أن يقاتلوا ضمن هذه الكتائب.
القاضي في إحدى المحاكم الشرعية في الغوطة الشرقية، والمقرّب من كتيبة “جلّق”، والذي عرّف عن نفسه باسم أبي محمد، يبرّر الحذر من الناشطين غير السُّنة بالقول إن عدداً كبيراً منهم كان يعمل مع النظام في الخفاء.
“تعرضت عدة كتائب في المنطقة لاختراقات سبّبت خسائر كبيرة في المعلومات والأرواح، وكان ذلك بسبب تسرّع هذه الكتائب بالوثوق بأي منشق أو متطوع، دون التحقق منه. معظم الاختراقات كانت من أشخاص ينتمون لأقليّات، الأمر الذي دفعنا للشك بأي قادم جديد، لا ينتمي للأغلبية”، بحسب ما يقول أبو محمد.
أحمد (28 عاماً) وهو خريج جامعي كان يدرس الأدب الإنجليزي ولا يعمل، ويوسف (27 عاماً)، كان يعمل طبيب أسنان قبل اندلاع الثورة، هما شابان علمانيان ينتميان بالإسم إلى الطائفة السنية، كانا يقاتلان في “لواء أبابيل حوران” الذي ينشط في ريف دمشق ودرعا. يقدم الشابان نموذجين مختلفين للتعامل مع الطابع الإسلامي الذي يطغى على كتائب “الجيش الحر”.
ترك أحمد “الجيش الحر” لأنه لم يتمكن من تحمّل الضغوط التي كانت تمارس عليه.
“لم أستطع تحمل النقاشات والاتهامات اليومية، ولا أريد الجهاد في سبيل الله، إنما أريد الدفاع عن أهلي وعرضي”، يقول أحمد.
أما يوسف، فيرى أنه ما من داع لأن يقوم الفرد باستفزاز المجموعة واظهار الاختلاف عنها، بل يجب الحرص على التشبّه بالآخرين ما أمكن، لكي يتمتع بثقتهم ومن ثم يتمكن من جعل آرائه مقبولة.
“لا يضيرني الاستيقاظ مبكراً لصلاة الفجر، ولا حضور الدرس الديني كل أسبوع، بل على العكس؛ يفسح لي ذلك مجالاً لقول آرائي بكل صراحة”، يقول يوسف، الذي لا يرى تناقضاً بين هذه الممارسات وكونه ملحداً.
يوافق عضو “المجلس الوطني السوري” فائق المير على هذا الرأي، قائلاً إنه ليس من المفترض على العلمانيين أن ينضموا إلى “الجيش الحر” لطرح علمانيتهم فحسب، فهذا قد يستفز البعض، بينما الآن ليس وقت للخلاف. ويرى المير كذلك أن الكثير من كتائب “الجيش الحر” علمانية، وفي الوقت نفسه توجد كتائب متشددة ترفض حتى المسلمين ممن لا يعتنقون فكرها الديني.
“هناك بعض الكتائب ترفض ليس العلمانيين، بل حتى كل من هو ليس على طريقتها الدينية. وهناك الكثير الكثير من الكتائب لاتفكر بذلك ولايعنيها، لذلك التعميم خطأ”، يقول المير.
الشيخ عدنان، وهو رجل دين في العقد الخامس من عمره كان يسكن في الغوطة ويؤم مسجداً في دمشق، يلوم المتشددين من “الجيش الحر” لأنهم يغلقون الباب في وجه الآخرين ممن قصد الثورة. ويضيف الشيخ عدنان، الذي نزح إلى دمشق وسكن في المسجد الذي يؤمه: “الشريعة الإسلامية تناسب كل الناس في أي مكان وزمان، ولا يمكن لأحد عرفها أن يرفضها”.
ويرى الشيخ عدنان أن العلمانيين سيتبنّون حكم الشريعة حالما يعرفونها بحق، وواجب المتديّن أن يدعوهم إليها بالحكمة والموعظة الحسنة، لا أن ينفّرهم بالرفض والتشدّد.
أبو محمد، قاضي المحكمة الشرعية، يرى أن “الجيش الحر” يطبّق ذلك تماماً، لكنه يلوم “جبهة النصرة” وبعض الجماعات المتشددة، وهي قليلة، بحسب تعبيره، التي ترفض العلمانيين في صفوفها. بل إن هذه الجماعات، بحسب أبي محمد، تنظر إلى “الجيش الحر” كله ككيان علماني، لأنه لا يسعى إلى إقامة دولة الخلافة، لكن “الجبهة” على رغم ذلك تتعاون مع “الجيش الحر” على مستوى الكتائب والألوية.
من جهة أخرى، ترى الناشطة الإعلامية آمال، وهي تنتمي إلى المذهب الدرزي وتقوم بتصوير النشاط الثوري في منطقة القلمون، أن “الجيش الحر” و”جبهة النصرة” غير طائفيّين ويتقبّلون الجميع بكل انتماءاتهم. تقول: “نمت في بيت أحد مقاتلي “النصرة” عندما كنت في القلمون؛ لم أقابله شخصياً لكني بقيت مع زوجته”.
يرى طارق أن هذا الكلام غير دقيق، والتعاون مع المجموعات الإسلامية صعب إلى حد كبير، مذكراً بتجربته الشخصية التي قادته إلى الانضمام إلى “كتيبة بني معروف”. لا يزال طارق غير مقتنع بالاسم الديني الذي تحمله الكتيبة، ولكنه يعترف بأن العلمانية غير مقبولة حالياً.
يقول طارق: “كنت أتمنى لو اخترنا اسماً علمانياً دون دلالة دينية، لكن وجود الآخر المختلف دينياً في صف الثورة، هو الطريق الوحيد ليدرك المتشددون أن الساحة ليست لهم وحدهم”.