المختفون قسراً في حمص: جرح لا زال ينزف
رهيف غانم
اضطر نزار وهيام إلى النزوح إلى حي الإنشاءات في حمص، إثر تفجر القتال من جديد في حي بابا عمرو في شهر آذار/مارس. إلا أن هذه الرحلة القسرية لم تكن وحدها ما ينغص هذه الحياة الزوجية، التي لم تكمل عامها الأول. فقد عقدا قرانهما، الذي كان حفله أشبه بمأتم، في إطار تدبير عائلي لكي يهتم نزار بأرملة عبد الله وأولاده الخمسة، بعد أن مات الأخير في الاعتقال.
“لم يخرج عبد الله يوماً في مظاهرة ولم يكن… إرهابياً أو سلفياً؛ عبد الله رجل بسيط،” يقول نزار. “بعد عودته إلى الحي، بدأ يعمل على التاكسي بشكل طبيعي. في كل يوم كان يعبر على عشرات الحواجز التابعة للجيش؛ يوقفونه ويفتشون سيارته ثم يتركونه، وفي ثالث أيام عيد الفطر (14 آب/أغسطس الماضي) اعتقل في طريق عودته إلى المنزل داخل الحي. تم إعلامنا بعد ثلاثة أيام أنه بحالة سيئة ونقل على أثرها إلى المستشفى العسكري، فذهبنا لرؤيته لكنهم لم يسمحوا لنا بالدخول.”
كل ما تبلغته العائلة عن طريق المحامي هو أنّ عبد الله توفي ودفن في مقبرة تل النصر في حمص بإشراف عناصر الأمن، دون إخبار العائلة بالوفاة عند وقوعها أو سببها، أو حتى السماح للعائلة بمعاينة الجثة، ولا يزال قبر عبد الله مجهولاً إلى الآن.
لقد تعرضت معظم أحياء حمص لعدة عمليات عسكرية شنتها قوات النظام، كان لحي بابا عمرو النصيب الأكبر منها، حيث تعرض لأكثر من سبع حملات كانت أبرزها تلك التي نفذت في شهر شباط/فبراير 2012 كما شن النظام عدة حملات أخرى أبرزها في مناطق الخالدية وجورة الشياح وباب السباع. كانت كل عملية عسكرية ترافقها حملة اعتقالات واسعة، حيث يكفي في أحيان كثيرة مجرد السكن في أحد الأحياء الثائرة حتى تصبح سبباً للتوقيف.
بحسب “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا”، الذي يستمد معلوماته من “لجان التنسيق المحلية”، فقد بلغ عدد المختفين في محافظة حمص 64 شخصاً، بالإضافة إلى 1441 معتقلاً، حتى لحظة إعداد هذا التقرير، وقد تكون الأرقام الفعلية أعلى بكثير.
في حين كانت عائلة نزار “محظوظة” لأنها عرفت مصير عبد الله بعد اختفائه، لم تتمكن عائلة مصطفى من حي بابا عمرو أن تجد أثره بعد اعتقاله في 4 آذار/مارس من العام الماضي.
“بعد انتهائهم من تفتيش المنازل أخذوا زوجي مصطفى معهم ولم نعلم عنه شيئاً حتى الآن،” تقول حنان، وتضيف قائلة، “لقد حاولنا أن نسأل عنه في كل الأفرع الأمنية الموجودة في حمص لكن حتى الآن لم يأتنا أي خبر يؤكد وفاته أو بقاءه على قيد الحياة منذ اعتقاله.”
مصير كنان، وهو شاب من حي جورة الشياح الذي تعرض لدمار كبير، يبقى مجهولاً هو الآخر، بعد أن فقد في شهر حزيران/يونيو الماضي.
“كنت متواجداً مع والدتي وشقيقتي الصغرى أثناء القصف على حي جورة الشياح… وكان شقيقي كنان في قرية الزارة في منطقة تلكلخ حيث اتصل بنا وأعلمنا بأنه سيأتي برفقة أحد أصدقائه لكي يخرجنا من الحي… ولكنه لم يصل،” يقول سامي، الذي يتهم إما قوات الأمن أو “الشبيحة” بالوقوف وراء اختطافه.
“اختفى شقيقي وصديقه مع السيارة التي كانا يستقلّانها… ولم نعلم عنهما أي شيء حتى الآن.”
مع غياب الأحبة، لا يبقى لعائلاتهم سوى الشعور بالفراغ. تسترجع هيام ذكرى زوجها عبد الله لتضيفها إلى فجعها بموت أخيها.
“في اليوم نفسه الذي اعتقل فيه زوجي وبعد عدة ساعات… جاءني خبر وفاة شقيقي الذي كان معتقلاً منذ أربعة أشهر،” تقول هيام. “بكيت يومها لكن لا أعرف إن كنت ابكي على زوجي المعتقل أو على شقيقي الذي توفي.”