سوريون يواصلون دعم المشافي الميدانية من الأردن
رأفت الغانم
كانت تسير مظاهرة في بلدة المعضمية في ريف دمشق، في آذار/ مارس 2011، تنادي بالحرية. تخلّف أحد المتظاهرين عنها فهاجمه أحد مناصري النظام، ممن يطلق عليهم إسم “الشبيحة”، محاولاً ضربه بصخرة على رأسه. لحسن حظ المتظاهر خلصه الآخرون، وبعدها تعرض المهاجم للضرب مما تسبب بإصابته بجروح. طلب الطبيب أبو آرام، والذي كان بين المتظاهرين ويحظى بشعبية واسعة لديهم، نقله إلى مكان آمن حيث قدم له الإسعافات اللازمة.
عند سؤال أبي آرام إذا كان مستعداً لمعالجة أحد جنود النظام السوري، قال:
“لو جاءني مصاب من أي طرف سأقوم بمعالجته، فأنا طبيب ملزم بقسم طبي.”
بقي أبو آرام مطارداً أثناء عمله كطبيب ميداني في سوريا إلى أن تعرض للإعتقال.
“الخوف شيء إنساني لكن أمام القسم الطبي الذي قمنا بأدائه لإنقاذ حياة الآخرين لا بد من المخاطرة،” يضيف أبو آرام.
يعيش أبو آرام اليوم في عمان بعد أن اضطر إلى الفرار، ويساهم بدعم المشافي الميدانية في سوريا من خلال نقل التجهيزات الطبية عبر الحدود.
“المشفى الميداني هو مرحلة أولية لعلاج الجرحى … بالمجمل هو يحتاج إلى التجهيزات اللازمة لإجراء عمل جراحي كبير، فنضع فيه جهاز تنفس؛ جهاز أشعة؛ معقمات؛ عدة جراحة بطن وعظم،” يقول أبو آرام.
يعتمد نقل المعدات الطبية عبر الحدود على شبكات من المهربين. بالإضافة إلى الصعوبة الأمنية، يشكل حجم بعض الأجهزة عائقاً آخر، بحسب أبي آرام. إلا أنه بالرغم من ذلك، يُعد إدخال المواد الطبية عبر الحدود أسهل من نقلها إلى مناطق داخلية مثل دمشق وريفها، وذلك بسبب الحواجز الأمنية. يقول أبو آرام إن عملية نقل المواد الطبية من منطقة إلى أخرى تأخذ في بعض الأحيان عدة أسابيع.
يعود أبو آرام بالذاكرة إلى أول أيام الثورة، حين اشترك بالمظاهرات في الأسبوع الأول من عمرها، ولم يخطر بباله هو وزملائه من الأطباء الثوار وقتها أن يتحول نشاطهم من متظاهرين إلى معالجين.
بدأت تصلهم الأخبار عن المعاملة السيئة للمصابين والتي تصل حد التعذيب من قبل عناصر الأمن في المشافي، بالإضافة إلى إهمالهم من قبل الأطباء وتعرضهم لخطر الإعتقال لاحقاً، وذلك “نتيجة سيطرة النظام الشمولي على النظام الصحي،” بحسب تعبير أبي آرام. ومن هنا فكروا كأطباء بإيجاد البديل وتم ذلك شهر نيسان/أبريل 2011 حين أسسوا “تنسيقية أطباء دمشق”.
بدأت النقاط الطبية بأماكن مجاورة للأحياء الثائرة وذلك لأنها أكثر أمناً من المناطق الثائرة ذاتها، ولسهولة نقل المصابين إليها.
بعد نشوء الجيش الحر وسيطرته على مناطق كاملة، إنتقلت المشافي الميدانية إلى هذه المناطق بعيداً عن مطاردة رجال الأمن.
“كنا نعالج المصاب براحتنا،” يقول أبو آرام.
وتعاني المناطق التي طالها القتال بين الجيشين الحر والنظامي من تعطل المراكز الصحية، كما تشير عدة شهادات من ناشطين معارضين إلى أن القوات النظامية تقوم باستهداف المستشفيات الميدانية. وقد عبّر متحدث باسم أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون يوم الثلاثاء 9 تشرين الأول/أكتوبر عن قلق الأخير حيال استهداف المنشآت والفرق الطبية، دون أن يسمي طرفاً بعينه.
أغلب الإصابات التي عالجها أبو آرام أثناء عمله كطبيب ميداني كانت ناتجة عن رصاص القناصة، وهو رصاص متفجر، يتسبب بإصابات بالغة. كانت هذه الإصابات بمعظمها في الرأس أو العمود الفقري، والجريح الذي ينفذ من الموت كان يصاب بعاهة مستديمة.
“شباب بعمر الورد أصيبوا بالشلل الرباعي،” يضيف أبو آرام بحسرة.
أما إصابة الأطراف فكانت تنتج عن إطلاق النار على المتظاهرين بشكل عشوائي، وفي الكثير من الحالات تم بتر الطرف المصاب.
كان أبو آرام وزملاؤه يعالجون هذه الإصابات الخطرة تحت ظروف صعبة. فبالإضافة إلى القلق الدائم من الملاحقة الأمنية، كان المستشفى الذي استحدثه هؤلاء يعاني من شح الموارد المادية وكون معظم المتطوعين طلاب طب لم يكملوا دراستهم ولا يتمتعون بالخبرة الكافية. وبحكم الظروف الميدانية الصعبة، لم يكن الأطباء قادرين على تقديم النقاهة الضرورية للمرضى بعد تلقيهم العلاج.
إياد، وهو طبيب في العقد الثالث من عمره، كان يعمل في أحد المشافي الحكومية عند اندلاع الثورة. عمل إياد في “تنسيقية أطباء دمشق” مثل أبي آرام، واضطر أيضاً إلى اللجوء إلى عمان لاحقاً.
إنخرط إياد في الثورة عبر المشاركة في المظاهرات وتعرض للإعتقال. وبعد خروجه، وجد أن مساعدة المصابين باتت الحاجة الأهم في الثورة.
عمل إياد على دعم المشافي الميدانية، موظِفاً علاقاته العامة في تأمين الأدوية المطلوبة، كما كان يعالج “الحالات الباردة”، على حد وصفه، وهي حالات المرضى الذين لا يمكنهم أن يتوجهوا إلى المشافي خوفاً من التعرض للإعتقال، كالصحافيين الذين يغطون الثورة.
يذكر إياد يوم أحضر أحد الأفرع الأمنية مصاباً إلى المشفى الحكومي حيث كان يعمل. عندما نظر إلى ملفه وجده ممهوراً باسم “المجهول رقم واحد”. كان المصاب غير قادر على الحركة في قسم العناية المشددة ويقف عناصر الأمن أمام غرفته، يتصرفون ببذاءة ويدخنون. وعندما حاول أحد الأطباء تنبيههم قاموا بشتمه.
أما في المشافي الميدانية، فأكثر ما آلم إياد كان عجزه هو وزملائه عن تقديم العلاج اللازم إلى فتى يافع أصيب بطلق ناري في ظهره بالقرب من العمود الفقري، مما تسبب بورم دموي ضاغط على العمود الفقري وأدى إلى شلله.
“لو كنا نستطيع نقل المريض إلى مشفى نظامي لما أصيب بالشلل،” يضيف إياد والدمع في عينيه.