لنسترجع الجيش السوري الوطني
شادي عزام
بعد تسعة وثلاثين عام من الإنتظار، لا يزال الجولان ينتظر صحوة ما؛ يد ما تكفكف دموعه. لكن هذه اليد لم تأت. بقي الجميع نائماً ليبقى الجولان الجريح وحيداً. واليوم باقي سوريا جريحة أيضاً، بينما الجولان هو المكان الوحيد في سوريا الذي بقي آمناً من أيدي الجيش السوري الأسدي.
يكون الجيش الوطني عادةً مصدر حماية للنفس والعرض والمال، إلا في سوريا. منذ بداية الثورة السورية في 15 آذار/مارس 2011، أصبح قسم كبير من الشعب السوري يرى الجيش عدواً له. فقد وقف هذا الجيش ضد شعبه، وقتله وشرده مستعملاً سلاحاً دفع الشعب نفسه ثمنه.
يجب أن يكون أحد أهداف الثورة استرجاع الجيش السوري ليكون فعلاً جيشاً وطنياً في خدمة الشعب.
في سنة 1976 دخل الجيش السوري لبنان تحت غطاء دولي باسم قوات الردع العربية تحت حجة وقف جميع الأطراف عن النزاع فيما بينها. أما السبب الخفي فكان القضاء على اليسار اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت النتيجة صب الزيت على الصراع واستنزاف المزيد من الدم اللبناني، بالإضافة إلى فتح الحدود لتعبر السيارات العسكرية المحملة بكل شيء لا يخطر ببالك: غسالات؛ برادات؛ تحف؛ ألبسة. كما اعتقل الكثير من اللبنانيين ونُقلوا إلى السجون في سوريا، وحتى هذه اللحظة لا يزال العديد منهم مجهول المصير.
لم يسلم أحد من أذى هذا الجيش، ومع ذلك كان هناك عسكريون لاحول لهم ولا قوة، يتصرفون بحسب الأوامر.
كان هذا أول شرخ حقيقي في أخلاق الجيش السوري، كما كان شرخاً في أخلاق الشعب السوري الذي سكت على تلك الجرائم.
في يومنا هذا كرر الجيش جرائمه ولكن داخل الوطن؛ في بابا عمرو وباب سباع والخالدية وغيرها من مناطق حمص وباقي المدن السورية. بعد حدوث المجازر، صُدم الناس في المناطق التي دخلها الجيش النظامي عند رؤية مقتنيات بيوتهم تُباع أمامهم بأبخس الأثمان.
إزاء هذا الواقع صرخ ضابط سوري حيّ الضمير، وهو حسين هرموش، ورفاقه، معلنين انسحابهم من هذا الجيش الخائن، على حد تعبيرهم، الذي دمّر سوريا وحرقها وقتل أبناءها، وشكلوا الجيش السوري الحر. كان تأسيس هذا الجيش نابعاً من الإحساس بالخجل من انهيار الأخلاق العسكرية.
تبنّى الجيش الحر الثورة السورية التي تطالب بالحرية والكرامة، فتصدّع الجيش السوري إذ تركه الكثير من الشرفاء الذين رفضوا قتل أبناء شعبهم، فهدّمت بيوتهم وقُتل أهلهم بعد انشقاقهم.
وهنا لا نقول إن الجيش السوري الحر لم يرتكب أخطاءً، فكمية القهر والظلم التي أنتجها النظام جعلت من بعض هؤلاء يقومون بردّات فعل شبيهة بما يقوم به النظام. قام أفراد من الجيش الحر بأعمال قتل طائفية، وخطفوا أشخاصاً من أجل الحصول على فدية. كان هناك أيضاً مدنيّون حملوا السلاح وقاموا بأعمال إجرامية. ليس هناك في العالم ثورة مثالية، وهذه الأعمال إنما تحدث في ظروف استثنائية يغيب فيها أحياناً صوت العقل.
بعد استلام حافظ الأسد السلطة عام 1970 أصبح الجيش يستنزف الموارد الإقتصادية السورية ليعيش الشعب السوري في فقر وعوز طيلة ثلاثين سنة من حكمه.
وبعد انتهاء حرب تشرين عام 1973 بدأ هذا الجيش حربه على الشعب السوري، فسطّر في حماه عام 1982 أعظم البطولات بإلهام من القائد الخالد بقتل أكثر من ثلاثين ألف سوري وتدمير مدينة بأكملها.
بعد أن تسلّم الإبن بشار، راعي الإصلاح والتطوير، الراية سنة 2000، أمر الجيش بإدخال الدبابات إلى مدينة السويداء بعد أن نظم بعض الشباب احتجاجات وحاولوا الوصول إلى مكتب المحافظ، فقُتل أكثر من ثلاثين شاب من أبنائها وجرح العشرات كما اعتقل كثيرون.
وأعاد الجيش الكرّة عام 2004 في القامشلي ومدن أخرى ذات أغلبية كردية. إنتفض هؤلاء ضد الحرمان والقهر، فالكثير من الأكراد لم يسمح لهم بحمل الهوية السورية وكانت تتم معاملتهم كأجانب مع أنهم أبناء تلك الأرض منذ آلاف السنوات. فخرجوا في تظاهرات وكسروا تمثال حافظ الأسد فاقتحم الجيش المدينة وقتل ً وجرح الكثيرين، كما هرب الكثير من الذين انتفضوا. كانت حجة النظام جاهزة، وهي أن أكراد سوريا يريدون الإنفصال.
واليوم يطبّق هذا السيناريو على سوريا كلها، فمناصرو الثورة يطلبون حريتهم؛ يريدون “الإنفصال” عن سوريا الأسد والإنضمام إلى سوريا الوطن الحر الكريم.
هذا الوطن الذي يطمح إليه السوريون يحتاج إلى جيش شريف يحميه.
لنعمل معاً على استرجاع جيشنا الوطني ليحمينا وتكون وظيفته خدمة الوطن وليس خدمة أي نظام أو شخص.
* الآراء الواردة في هذا المقال تخص الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع التحريرية