الزراعة في ظل الثورة

عندما دخل الجيش السوري إلى درعا، حماة، إدلب وريف حلب، لم يدفع الكثير من السكان إلى الهروب لإنقاذ حياتهم فحسب، بل قام أيضاً بتدمير القاعدة الإقتصادية لعدد كبير من السكان، كإحراق محال تجارية وأراضٍ زراعية، بحسب ما يروي بعض أهالي هذه المناطق. يذكر الناشط أبو محمد الذي فرّ من ريف حلب إلى مخيم كلس في تركيا ما حدث عند دخول الجيش إلى مارع وتل رفعت وعندان الواقعة في ريف حلب، حيث قامت الآليات العسكرية والدبابات بالسير على الأراضي المزروعة بالقمح وخربت المحصول الذي كان آنذاك في متوسط عمره. ولم يُعلن حتى الآن حجم الأضرار الإقتصادية والزراعية في المناطق المنكوبة.

فالزراعة التي تساهم بـ20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السوري وتشغل النسبة نفسها من اليد العاملة حسب آخر تقديرات البنك الدولي عام 2010 – ترتفع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 28 بالمئة حسب تقديرات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي للعام نفسه – تعاني من تدهور ملحوظ بالرغم من كونها قطاعاً إقتصادياً أساسياً.

السياسة الأمنية عامل واحد فقط ضمن عوامل أخرى أدت إلى هذا التدهور. فقد صدرت تقديرات لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في شهر آذار/مارس الماضي بانخفاض إنتاج الحبوب في سوريا حوالي 10 بالمئة مقارنة مع العام الماضي بسبب “السقوط المتأخر والمتقلب للأمطار،” محذرة أن التوتر الأمني قد يزيد من الصعوبات التي يرزح تحتها نحو 300000 من صغار المزارعين.

هذه المعاناة تحدث عنها أحد مزارعي الحسكة جميل عيسى الذي شكا عدم منح الدولة للمزارعين قروضاً زراعية كافية، بالإضافة إلى تقليص المساحات الزراعية. فقد منعت الحكومة منذ العام 2008 زراعة كل المساحة التي يمتلكها المزارع بالقمح أو القطن، إذ عمدت مديريات الزراعة إلى مسح الأراضي الزراعية وقامت بإصدار تراخيص تقلص المساحة المزروعة بسبب شح المياه. وتمنح الحكومة القروض وتوزع المحروقات والسماد حسب الرخصة المقررة فقط، إلا أنّ الكثير من المزارعين لا يتقيدون بهذا التقليص.

ويتوقع جميل عيسى أن يخسر 40 بالمئة من أرباحه مقارنة بالسنوات الماضية إذا بقي الوضع على ما هو عليه الآن. ويخشى عيسى أن تقوم الحكومة بشراء محصول القمح وأن لا تستطيع صرف فواتير المزارعين بسبب تراجع ميزانية الحكومة ويستطرد قائلا: “أخشى أيضاً أن يتم حرق المحاصيل قبل حصادها لأن هذا النظام قادر على فعل أي شيء من أجل بسط نفوذه وخلق التوتر حتى في المناطق التي لم يدخلها بعد!”

لم يدخل الجيش النظامي السوري بعد إلى محافظة الحسكة، التي تعد من أهم المناطق الزراعية في سوريا، ولكن الحركة الإقتصادية فيها شبه مشلولة. يعود ذلك إلى غلاء أسعار المواد الضرورية للزراعة، لا سيما مادتي المازوت والسماد اللتين أصبحتا شحيحتين. ويعود سبب نقص هاتين المادتين إلى العقوبات الإقتصادية المفروضة على سوريا وإلى الإحتكارالذي يمارسه تجار موالون للنظام، فيحصلون عبر قنوات حكومية على كميات كبيرة من هاتين المادتين ويتحكمون بأسعارهما، حسب قول العديد من المزارعين. ويقول جميل عيسى إن سعر السماد ازداد بنسبة 25 إلى 50 بالمئة في السوق السوداء ليصل سعره إلى 45 ليرة أحياناً بعد أن كان 20 ليرة. أما مادة المازوت والتي عانى السوريون في مختلف المناطق من عدم توفرها للأغراض الزراعية أو للتدفئة، فقد كان سعر الليتر منها 20 ليرة، قبل أن يصل في ظل هذه الأزمة إلى 35 ليرة، كما يقول. “إن هذا الغلاء في الأسعار مع عدم رفع سعر القمح من قبل الدولة سيؤدي إلى خفض أرباح المزارع كثيراً،” يضيف عيسى.

ويشكو المزارع عماد رشو من عدم وصول السماد في الوقت المناسب: “كان من المفترض أن يتوفر السماد لكل مزارع منذ شهر شباط ولكن لم تصلنا المادة إلا في شهر نيسان وبكميات قليلة جداً. ولولا أنّ المزارعين كانوا قد خزنوا كميات قليلة من السماد العام الماضي لكان الوضع سيئاً جداً هذه السنة.” ويشير رشو أيضاً إلى ضرورة توفير المحروقات بسبب اقتراب موعد حصاد القمح والقطن.

كريم سعيد، أحد تجار المستلزمات الغذائية في الحسكة، يعاني أيضاً من أزمة الغلاء ويقول إن هذا التحكم بالأسعار والغلاء الفاحش أثّر بنسبة كبيرة ليس على منطقته فقط بل على سوريا بشكل عام ويستطرد قائلا: “التجار يقولون إن الأزمة سببها رخص العملة السورية مقارنة بالدولار. والآن رغم أنّ الدولار انخفض قليلاً إلا أنّ الأسعار باتت كما هي. المستفيد الوحيد من الغلاء هم التجار الذين خزنوا المواد بكميات كبيرة والآن يقومون ببيعها بسعر فاحش. إن المستهلك لم يعد يستهلك سوى الضروريات بعد هذا الغلاء. ربما هناك إفادة وربح أكثر مما مضى لمجموعة من الناس ولكن في ظل هذه الثورة والوضع القائم هذا يعتبر خيانة وتحكم بمصير الشعب.”