أطفال سوريا ضحايا حروبنا
في لبنان طفل يجلس على طريق قرب مخيم للاجئين السوريين - تصوير أحمد الخليل
"سافرت أم نذير وفي ذاكرتها طفل حُرِم من عائلته منذ صغره وكبر قبل أوانه ... طفل رأى فيها والدته التي أبعدتها عنه ظروف الحياة وقساوة الحرب."
يعزّون أنفسهم ويرثون أحبابهم وهم يحيكون قصصاً أو جملاً قالها من خسروه. هذا هو حال مجتمعنا. كل منّا يصوّر نفسه الضحية والحقيقة لا يعلمها إلا الله وحده.
8 سنوات ونحن في صراع وحرب مع أنفسنا وذاتنا. أصبحنا أساتذة في التمثيل، كل منا يجمّل صورته بقناع الإنسانية والضمير… الأطفال وحدهم من لا يتقنون هذا الفن في هذا البركان الثائر.
زينة فتاة من درعا اختار أهلها أن تقطع مسيرة تعليمها في سن الـ 18 لتعيش في كنف زوجها. أنجبت أولاد. مع اندلاع الحرب انضم زوجها إلى جبهات القتال بعيد ولادة طفله الثالث بقليل. اضطرت وأولادها للذهاب مع عائلة زوجها إلى الأردن، حيث أقاموا هناك في بيت واحد، النساء في مجتمعنا أجبروا على هذا الحال.
مرّ الوقت هناك بين صعوبات اللجوء وأعباء الحياة وهموم لا يمحوها الزمن، كانت زينة والعائلة يصحون على خبر قتيل وينامون على خبر قتيل آخر، مئات القتلى. صحيح اننا كنّا ندرك الموت في كل لحظة لكن يبقى الأمل بلقاء من نحب.
وجاء خبر مقتل يوسف زوج زينة. صاعقة حلت عليها وعلى عائلته استقبلوها ببكاء وأنين وشفقة على أيتامه الصغار. ضغوطات كثيرة من مجتمع يوسف دفعت زينة إلى أخذ طفلها الرضيع وترك أخويه عند جدتهما مجبرةً سالكةً طريق التهريب للعودة إلى أهلها في سوريا.
بقيت زينة على اتصال بولديها والاطمئنان عليهما، في ما بعد أُجبرت على الزواج مرة ثانية. سمح لها زوجها بالاحتفاظ بطفلها، وبقيت تحّن للقاء ولديها اللذين فرقتها عنهما صعوبة الحياة مع الحرب.
ياسين ابنها الأكبر (10 أعوام) تأثّر لفراقها، أصبح عنيفاً كثير التشاجر مع أصدقائه في الحي والمدرسة. تراجع دراسياً وانطوى على نفسه بعد أن شعر بوحدة وغربة مع عائلة تتملص من مسؤوليتهما هو وأخيه أحمد .
أحمد (8 أعوام) احتضنته صديقة العائلة أم نذير، وأبدت له الكثير من الحنان والعطف، هي وحدها من كانت تدرك ألم الفقدان وحجم ما يعانيه، فهي أيضاً منذ زمن ليس بعيد فارقت ابنتها رغماً عنها.
رغم أن أم نذير كانت دائماً تدافع عن احمد، إلّا أن كبرياء أحمد لم يكن يسمح له بأن يعبر عن حبه وتعلقه بها. إلى ان جاء وقت وسمع فيه من عائلته أنهم يريدون الذهاب إليها لوداعها قبل سفرها إلى النمسا. يومها بقي سارحاً يحوم حول بيتها ودموعه تغمر وجهه.
مضى الليل طويلاً عليه وما إن أطلّ الفجر حتى رن هاتف أم نذير التي استيقظت مرعوبة. ردت فإذا بصوت على الطرف الآخر يقول لها: أنا أحمد …
أجابته: خير هل حصل مكروه؟…
حينها سمعت صوت بكائه المخنوق يقول لها: لا، لا شيء، ولكن سأشتاق لكِ. كنت أتنمى لو أنكِ لا تسافرين، لا أريدكِ أن تتركينا مثلما فعلت أمّي.
سافرت أم نذير وفي ذاكرتها طفل حُرِم من عائلته منذ صغره وكبر قبل أوانه … طفل رأى فيها والدته التي أبعدتها عنه ظروف الحياة وقساوة الحرب.
وحدهم أطفالنا من يدفعون ثمن الحرب من دون ذنب. ثمن الحرب طفولة ضائعة .
لانا صلاح (30 عاماً) من دمشق صحافية مهتمة بقضايا المرأة والطفل.