في عيد الحب لون الدماء السورية أشدّ احمراراً من الورد
دكان لبيع الفطائر في زملكا
"حرصت كل الحرص على أن تكون هديتي لابنتي ذلك الدب المصبوغ باللون الأحمر الجميل والمعلًق على واجهة أحد المحال التجارية وبيجاما حمراء اللون أيضاً."
14 فبراير/شباط 2018، اليوم الذي يحتفل فيه العالم بأسره، بعيد الحب الذي يجمع ويوَحد.
أمّا بالنسبة لنا في سوريا فالأمر مختلف بعض الشيء، فقد تحوّل هذا اليوم والمناسبة في السنوات القليلة الماضية إلى فرصة يجتمع فيها الأصحاب والأحباب والأهل جميعاً، للتعبير عن الفرح والحب بعيداً عن الهموم والأحزان.
وبالفعل بدأت صبيحة ذاك اليوم بكل جد وحيوية وشعور جميل. وقمت بنفسي بصنع قالب الحلوى الذي دأبت على تجهيزه في كل عام، ولم أنسَ الشوكولاته اللذيذة التي تحبها وتعشقها ابنتي، وخاصة أنه يصادف عيد ميلادها الثالث.
حرصت كل الحرص على أن تكون هديتي لابنتي ذلك الدب المصبوغ باللون الأحمر الجميل والمعلًق على واجهة أحد المحال التجارية وبيجاما حمراء اللون أيضاً.
كانت الأجواء بشكل عام هادئة في ريف إدلب عموما، وخاصة في بلدتي معرة حرمة، وتكاد تخلو من أصوات الطائرات وضجيج الحرب . كنت مصممة هذه المرة على استغلال هذه الفرصة لإدخال البهجة والسرور على أجواء المنزل من أجل عائلتي وأهلي وأهل زوجي.
عند غروب شمس ذاك اليوم كان كل شيء جاهز تقريباً. وبانتظار أن تبدأ السهرة، تناولت هاتفي وبدأت بتصفح الفايسبوك. وشعرت بالفرح والطمأنينة والراحة فلم يكن على صفحات الفايسبوك إلا اللون الأحمر والدببة الحمراء وبطاقات التهنئة والمعايدة والورود الحمراء التي تبعث على الفرح والحب.
قلت في نفسي عليً أن أنسى هذه الحرب اليوم، وأن أحتفل بزوجي وعائلتي بعيداً عن ذكريات السنوات المؤلمة. بدأت المآذن في القرية تصدح بالآذان، معلنة دخول ليل 14 فبراير/شباط. وبعيد الصلاة سمعت كما سمع الجميع صوت ذاك الصاروخ الذي أحدث انفجارا عنيفاً للغاية.
وبسرعة خرج زوجي إلى سطح منزلنا ليرى مكان الغارة، وعاد مسرعا وهو يقول: إنه في الحارة الشمالية، تلك الحارة التي تبعد عنا كثيراً، ولكنها مكتظة بالسكان كونها منطقة شبه صناعية.
جلست في الغرفة قليلاً، وهذه المرة لم أشعر بالخوف أبداً بقدر ما شعرت بالغضب. لقد غضبت لهذه الصدفة الغريبة العجيبة. وبعد دقائق عاد زوجي وهو عابس الوجه. سألته: ما الأخبار؟ أجاب: إنه منزل صديقتك ورفيقة دربك أسماء. سألته باستعجال وقلق: ما بها؟ قال: هي مع بعض أفراد عائلتها تحت ركام منزلها. يمكن سماعها تطلب النجدةـ ولكن لم يتمكن المسعفون من إنقاذهم بعد من تحت الركام.
حين تمالكت أعصابي وهدأت قليلاً من هول الصدمة، أخذت هاتفي لأتصفح مجموعة الواتس اب الخاصة بقريتي، وذهلت لرؤية جثة الطفل الرضيع يوسف، ابن رفيقتي أسماء متصدراً جميع عناوين وصفحات الأخبار. وما هي إلا ساعات حتى اتضح المشهد كاملاً. تمكن عناصر الدفاع المدني من إنقاذ أسماء وابنتها روان. أما شهد فقضت تحت الركام، كانت مقطعة الأوصال.
أكثر ما آلمني هو فقدان أسماء لرضيعها وابنتها أمام عينيها. دخلت مطبخي أتأمًل تجهيزات سهرتي المفترضة وفرحتي التي كانت لا تسعها الأرض منذ دقائق فقط.
نظرت بعين الحسرة والألم كالعادة الى طفلتي التي كانت تصرخ : “ماما، ماماأ، عطني الدب الأحمر”. نعم كان ذلك الدب الأحمر كفيلاً بارضاء ابنتي كونها لا تعي ما يحدث. ملقية باللوم والعتاب على ذلك الدب الأحمر، كيف لم يجعلني أنسى ما حدث.
أحضرت إلى غرفة العائلة جميع ما صنعته وجهًزته من معجنات وحلويات وقالب الحلوى والذي وللمفارقة كُتب في وسطه “يوم حب سعيد”. لملمت دموعي وأخذت نفسا عميقاً وقلت لزوجي: عيد سعيد. أجابني والحسرة والقهر بادية عليه: حظنا نحن السوريون سيء. وكأنه كُتب علينا الحزن حتى في أعياد الفرح.
هكذا انقضى ذاك اليوم الذي انتظرته بفارغ الصبر وطوال عام كامل. بدأ ذلك اليوم بالفرح والأمل وانتهى بدم ذاك الطفل الرضيع يوسف.
عائشة السلطان (27 عاماً) من ريف ادلب الجنوبي. خريجة معهد إدارة أعمال من جامعة حلب متزوجة وأم لطفلة صغيرة .