من لاجئة إلى بائعة ملابس في تركيا
"بدأت بكسر قضبان الحديد التي كادت تخنقني في غربة مرة. عادت لي الحياة وبدأت رحلة النجاح "
حياة مرة وأيام عصيبة، أفكار تأخذني وترميني في بحر عميق. لم تكن حياتنا دائماً هكذا. كنا أحياء.
رزقني الله ستة أطفال كالملائكة. كنا نعيش حياة هادئة مريحة، في قريتنا الجميلة الواقعة في ريف حماه. وساءت الأحوال وتغيرت الظروف. تهجرنا بسبب الحرب فلم نجد وجهة لنا إلّا تركيا.
توجهنا الى تركيا في 15 ديسمبر/كانون الأول 2014، مهجرين لاجئين تملأ عيوننا الدموع. الغصة تكاد تكتم أنفاسنا، كأننا كنا في حلم جميل واستفقنا على واقع مرير. معاناة كبيره وحرقة قلب تكاد تقتلنا على من تركنا خلفنا من الأهل والأحباب.
كانت الطريق طويلة وقاسية كقساوة الصخور التي مررنا بها. أصوات صراخ الأطفال، بكاء الأمهات من القهر. لم يكن يخطر في بالي يوماً لأني سأزور تركيا واستقر فيها. وبعد يومين من العناء والتعب ومحاولات متكررة للدخول الى تركيا خلسة، تمكنّا أخيراً من عبور الحدود.
وصلنا إلى هاتاي في جنوبي تركيا، لم يكن في بالنا مدينة معينة. وفي أنطاكيا، وجدنا أحد المعارف. استقبلنا في منزله قدر المستطاع، حتى وجدنا منزلاً خاصاً بنا. كنا قد ادخرنا بعض النقود، فدفعنا إيجار المنزل. ساعدنا بعض جيران صديقنا، الذي أقمنا عنده، ببعض الأشياء المستعملة، كبداية حتى نتدبر أمورنا.
استصعبنا الأمر كثيراً في البداية كوننا أغراب في بلد غريب، لغة وعادات مختلفة، تعامل مختلف. انقلبت حياتنا رأساً على عقب. كنا نفضل الجلوس في المنزل خوفاً من أن نزعج الجيران فيخرجونا من المنزل، أو أن يسمعنا أحد كلمة جارحة فلا نحتمل.
رويداً رويداً أصبح الجيران يترددون علينا ويساعدوننا. حاولوا إخراجنا من عزلتنا، وبدأنا نعتاد عليهم ويعتادوا علينا. بدأ أطفالي يذهبون إلى البقالة ليجلبوا لنا بعض حاجاتنا. وبدأ زوجي يذهب إلى سوق الخضارـ بعدما ساعده الجيران وأرشدوه إلى العنوان.
اعتدنا الحياة وطريقة العيش في بلد آخر. كنت أرافق زوجي أحياناً إلى سوق الخضار، نشتري بعض الحاجات. وفي بعض الأحيان كنت أخرج وحدي. ولكن الوضع بدأ يصعب، فالمال الذي أتينا به يكاد ينفذ. وبدأت تضيق علينا المعيشة.
أصبح هاجسنا، اذا نفذ المال ماذا سيحل بنا؟ فلا عمل لدينا ولا وسيلة للعيش، إلّا بعض النقود التي تكاد تنفذ في بيت مأجور وفواتير ماء وكهرباء ومصاريف أطفال. بحث زوجي عن عمل واستمر بالبحث كثيراً. ولكن دون جدوى. هو يحمل شهادة جامعية وليس لديه مهنة معينة. لم يترك منظمة أو باباً إلا وطرقه بلا فائدة.
وكأن الدنيا ادارت ظهرها لنا. أحسست أن كل الحياة ضدنا. حينها بدأت أشعر بالضيق الشديد وأكاد أصاب بالجنون. أكثر الاحيان أفكر باطفالي ماذا سيحل بهم؟ كيف سيستمرون في هذه الحياة؟
كنت اتردد على الأسواق الشعبية، طمعاً برخص الأسعار، لأشتري بعض الخضار والكسوة للأولاد. كل شيئ هنا غالي الثمن. أبحث عن الأرخص وأشتريه. كنت أعاين الاسعار، فخطر في بالي أن أعمل في بيع الملابس. بدأت أبحث وأسأل عن كيفية البدء بمشروع صغير. وصلت إلى محلات بيع الجملة حيث كنت أتقصى الأسعار وكيفية البيع والشراء وأنواع الأقمشة.
في 17 مايو/أيار 2015، بدأت بشراء بعض الملابس والأقمشة وما يخص النساء بما تبقى لدينا من مال، وأعرضها على جاراتي وسكان الحي الذي أقيم فيه. استصعبت الأمر في البداية، شعرت بغرابة الأمر قليلاً. ولكن البعض شجعني وزوجي ساندني، حتى أولادي استحسنوا الموضوع، وأخذوا بيدي.
ابني ابراهيم (15 عاماً) كان يذهب معي إلى السوق، أصبح يعرف الأسعار، ويساعدني بحمل الأشياء وبناتي يساعدنني في أعمال البيت واستقبال النساء اللاتي بدأن يترددن عل بيتي ويشترين مايحتجنه. شكاوى النساء التي لا تنتهي ووجع الرأس من التذمر أو الاستماع لحديث لا أطيق سماعه، كنت مجبرة حتى تتنتهي الزبونة وتشتري حاجتها.
واتسعت دائرة حياتي الضيقة قليلاً. بدأت احس بالفرق بالحياة. بدأت علامات الراحة والسرور تعود تدريجياً إلى قلبي وبيتي. رزق قليل وتحصيله متعب ولكنه ممتع. بدأت بكسر قضبان الحديد التي كادت تخنقني في غربة مرة. عادت لي الحياة وبدأت رحلة النجاح وسأستمر فيها إن شاء الله.
ياسمين كرم (38 عاماً) ربة منزل وأم لستة أبناء لديها عملها الخاص في تركيا.