استهداف القطاع الطبي في إدلب وريفها ينذر بكارثة
" A residence in Maarat Al Numan has become a field office " - photo by Razan Al sayid
"بقاء الوضع الطبي على هذه الحال سيؤدي إلى نتائج كارثية وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى"
ما كادت سعاد المصري تغادر المشفى الوطني في معرة النعمان تاركة ولدها منير (13 عاماً) حيث يتعالج جراء القصف، حتى تعرّض المشفى لغارة خلفت الكثير من الضحايا.
كانت سعاد تريد حين تفقد أوضاع بقية أولادها الذين أصيبوا بالرعب جراء الغارات الحربية المتواصلة على المدينة. هذه الغارات التي باتت تستهدف الآن المنشآت الطبية التي توقف أغلبها عن تقديم خدمات الطوارئ والاستشفاء رغم خطورة الأوضاع.
تروي سعاد تفاصيل ما حدث معها لحكايات سوريا وتقول: “ما إن سمعت عن استهداف المشفى حتى هرعت إلى هناك كالمجنونة للاطمئنان على ولدي. رحت أبحث عنه بين أنقاض المشفى المهدم ولكنني لم أجده. أخبرني أحدهم بأنه تم نقل المرضى والمصابين إلى أحد المنازل”.
قصدت سعاد المنزل المذكور حيث وجدت ابنها مستلقياً على فراش وإلى جانبه عدد كبير من الأطفال غيره ، وتم تغطيتهم بأغطية سميكة. تصف سعاد المشهد: “كان المنزل بارداً وضيقاً، وكانت الجرحى والمرضى يأنّون تحت وطأة جروحهم وآلامهم. حمدت الله أن ولدي منير لا يزال بخير”. تم نقل منير إلى إحدى المشافي الحدودية، ووضعه مستقر.
عميد كلية الطب البشري بجامعة حلب الحرة الطبيب مازن السعود (57 عاماً). تم تدمير مستشفى القدس الذي كان مديره بالكامل في فبراير/شباط 2016. يقول السعود لحكايات سوريا: “شهدت المنطقة حملة شرسة وغير مسبوقة من قبل طائرات النظام وحلفائه الروس خلال شهر يناير/كانون الثاني 2018 وحتى اللحظة”.
ويضيف السعود: “هذه الحملة راح ضحيتها المئات من الشهداء المدنيين وآلاف المصابين بعد استهداف أكثر الأماكن الحيوية في القرى والمدن محدثة مجازر مروعة، والأدهى من ذلك كله كان استهداف المشافي والنقاط الطبية ومراكز الدفاع المدني”.
ويلفت السعود إلى أن هذا الواقع “خلق ارتباكاً كبيراً في كيفية مساعدة العالقين تحت الأنقاض وإسعافهم”.
ويذكر السعود في خضم حديثه الاعتداء الذي تعرضت له مدينة معرة النعمان في السابع من فبراير/شباط 2018، والذي تسبب بهدم الكثير من المنازل على رؤوس ساكنيها واشتعال الحرائق الضخمة، وحين توجه الدفاع المدني إلى المكان تم استهدافه بعدة غارات من قبل الطائرات الحربية التي عاودت القصف على ذات المكان.
وعن مكان توجيه المصابين والجرحى يوضح الطبيب السعود بأن المنظومات الإسعافية تقوم بنقل المصابين إلى المشافي الحدودية والتركية. وفي هذا السياق يشيد السعود بموقف الحكومة التركية التي لا تتوانى عن فتح حدودها واستقبال الحالات الحرجة والمتوسطة في مشافيها، الأمر الذي ساهم في إنقاذ حياة الكثيرين.
وفي مبادرة للتخفيف من وطأة ما يحدث ومواجهة مشكلة توقف معظم المشافي عن الخدمة قامت مجموعة من الأطباء والمعنيين بتأهيل عدد من المنازل في ريف إدلب بغية نقل المصابين إليها فور إخراجهم من تحت الأنقاض، وتقديم الاسعافات الأولية لهم قبل نقلهم للمشافي الحدودية في كل من دركوش وعقيربات وباب الهوا.
وبحسب الطبيب السعود فـ “إن تلك المنازل وإن كانت تفتقد الكثير من الوسائل الطبية والتجهيزات التقنية، إلا أنها تساعد إلى حد كبير في إيقاف النزيف، على الأقل ريثما يتم اسعاف المصاب إلى المشافي البعيدة”.
تحديات وصعوبات عديدة واجهت وتواجه عناصر الدفاع المدني في ريف إدلب جراء الهجمة الشرسة الأخيرة يلخصها قائد قطاع الدفاع المدني في معرة النعمان عبادة الزكرة (24 عاماً) يقول: “تواجهنا عادة الغارات المزدوجة من قبل الطيران الروسي على ذات الموقع المستهدف، ولذلك حين نتوجه للمكان نتعرض للاستهداف بأكثر من غارة جوية ما أدى لوقوع العديد من الشهداء في صفوف الدفاع المدني وإصابة العشرات منهم”.
وينوه الزكرة إلى توقف عدة مراكز للدفاع المدني عن الخدمة بفعل استهدافها من قبل الطيران ومنها قطاع أريحا، قطاع سراقب وقطاع خان شيخون الذي دمر بالكامل وخرجت الآليات عن الخدمة فيما قضى فيه ثلاثة عناصر وأصيب أربعة.
وثقت منظومة الدفاع المدني عدد المشافي والمراكز الصحية التي خرجت عن الخدمة بشكل كامل بعد الحملة الجوية الأخيرة على إدلب وريفها وهي مشفى عدي في سراقب، مشفى حسن الأعرج، مركز سرجة الطبي، المركز الصحي بسراقب، المركز الصحي في تل مرديخ، مشفى كفرنبل الجراحي، مشفى معرة النعمان الوطني، مشفى السلام بمعرة النعمان، مركز السلام في إدلب المحافظة، المركز الصحي في الشيخ إدريس، بنك الدم بسراقب، مركز أبو ضهور الصحي، العيادة السكرية بسراقب، المستوصف الطبي بكفرنبل ومركز الرعاية الأولية بمشمشان.
مدير مشفى كفرنبل الجراحي الطبيب زاهر حناك (41 عاماً) يروي كيف تم استهداف مشفى كفرنبل بأكثر من خمس غارات جوية دمرته بشكل كامل. وأدت إلى إصابة الكادر الطبي وعدد من المرضى.
ليست المشافي فقط ما تم استهدافه وإنما أيضاً المستوصفات وبنوك الدم وهو برأي الطبيب حناك “لزيادة الشرخ والمعاناة لدى الأهالي، وخاصة حيث يصعب إسعاف الجرحى لأقرب مكان، استهداف المشافي بهذه الطريقة أدت إلى زيادة عدد الوفيات”.
ويلفت الطبيب حناك إلى “موضوع المرضى العاديين ممن يسمون بالحالات الباردة، وهم الذين يحتاجون لعمليات جراحية. هؤلاء غدت خياراتهم معدومة عدا عن خيارين، إما الذهاب إلى المشافي الخاصة المكلفة والأوضاع المادية لمعظم المرضى ضعيفة وخاصة النازحين، أو الذهاب لمناطق الشمال حيث المشافي الحدودية، وتحمل عبء السفر وتكاليفه وخطورته بعد استهداف الطيران للسيارات المتجهة إلى هناك”.
ويحذر الطبيب حناك من “أن بقاء الوضع الطبي على هذه الحال سيؤدي إلى نتائج كارثية وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى”.
ورغم استمرار القصف والغارات تستمر الكوادر الطبية بإسعاف المصابين ،حتى وإن تم ذلك ضمن منازل تخلو من كل مقومات العمل الطبي.