من ادلب الى حلب بعد ست سنوات من الثورة
"وصلنا الى منزلنا الذي تركناه قبل 6 سنوات. الساعة الثالثة بعد الظهر، بعد رحلة استغرقت 10 ساعات، وسابقا كانت تستغرق أقلّ من ساعة"
في 17 أيار/مايو 2017، مع بداية الهدنة في مدنية إدلب واستغلالاُ لوضع الهدوء قررت أن أذهب إلى مدينة حلب، أنا وابني، لنستحصل على جوازات سفرـ على أمل أن نستطيع مغادرة البلاد والهجرة إلى أوروبا.
خرجنا فجر الأربعاء، وذهبت أمي معي لأنها كانت تخشى عليّ من الاعتقال. قالت لي:” إن قاموا باعتقالكِ لا قدّر الله، أستطيع حينها إخبار أباكِ وزوجكِ ليتصرفا”.
انتظرنا بالكراج في مدينة كفرنبل لمدة ساعة حتى قَدُمَ جميع المسجلين جميع الركاب كانوا من نساءاً والأطفال. ودفعنا الأجرة قبل الانطلاق خشية أن يحدث أي شيْ وكانت 14000 ليرة سورية.
انطلقت الحافلة حتى وصلنا سراقب. وكان أول حاجز يقوم بإيقافنا وكان لجبهة النصرة. قال لنا السائق: “ان سُألتم الى أين تسافرون فقولوا الى بلدة اطمة الحدودية”. لانهم لو علموا أننا سنذهب لمناطق النظام كانوا أعادوننا من حيث جئنا.
بعد عبورنا هذا الحاجز نكون قد خرجنا من الأراضي التي تسيطر عليها النصرة ودخلنا بالأراضي التي تسيطر عليها حركة نور الدين الزنكي. ومنها مدينة كفرناها وعنجارة وقبتان الجبل.
أوقفنا الحاجز هناك فما كان من السائق إلّا أن صافح العنصر على الحاجز واضعاً في يده 500 ليرة سورية. قال له العنصر: “الى اين تذهبون؟ وماذا يوجد في هذه الحقائب أعلى السيارة؟”أجابه السائق: “لا يوجد سوى الملابس والمؤن للنساء”. متجاهلا سؤاله الأول وتجاهل العنصر عدم اجابته بما انه اخذ منه المبلغ المعلوم.
عبرنا في كفرناها وتقاد وقبتان الجبل وعنجارة حتى وصلنا الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد. فأوقفنا الحاجز التابع للفصيل الكردي، وفتح باب السيارة وكان هناك امرأة تجلس قرب باب السيارة مع طفليها. سأل المسلح الكردي ابنها: “انت من تحب المعارضة أو النظام أو حزب العمال الكردستاني؟” أجابه الطفل: “أحب الله”.أغلق المسلح الباب بعد أخذ هوياتنا وقام بالتدقيق فيها. انتابني بعض الخوف.
أمر العنصر المسلح بترفيقنا. والترفيق هو انتظار نحو الخمسة عشر سيارة تريد الذهاب الى حلب ويتم تجميعها وترفيقها بدراجات نارية وسيارات شحن صغيرة تابعة للأكراد. وتسير السيارات في موكب دون أي تجاوز، ومن يتجاوز السيارات او يغير طريقه يطلقون عليه النار.
خلال الترفيق عبرنا قرى الغزاوية و باسوطة وبراد وكباشين وكيمار، حتى وصلنا الى حاجز يتبع لقوات النظام و”حزب الله” اللبناني، وحاجز منفصل تابع للقوات الروسية عند مدخل مدينة حلب الشمالي. وغالبا تحصل عملية المصافحة مع عناصر الحواجز عبر مبالغ تتراوح بين 200 و 500 ليرة. وهنا يدققون ببطاقاتنا الشخصية. ويسألوننا: “من أين تأتون؟ وكيف وضع البلد هناك تحت حكم الإرهابيين؟”
يجيبهم السائق أجوبة عامة بعيدة عن الانحياز لأي طرف من الأطراف. يقول السائق: “أشتري ليتر المازوت بـ 400 ليرة”. يضحك العسكري كون السائق لا يود أن يتكلم عن أحد.
دخلنا مدينة حلب وكان انتشار كبير للحواجز فيها. فقال لنا السائق: “من يملك صرافة من فئة المئة والمئتين، لأن كل من يطلب منا هنا إيقاف السيارة يريد رشوة”. وبالفعل حتى شرطي المرور أخذ رشوة، دون أي مخالفة للسيارة وحتى دون التحدث وكأنما الامر هذا بات أمراً اعتيادياً.
وصلنا الى منزلنا الذي تركناه قبل 6 سنوات. الساعة الثالثة بعد الظهر، بعد رحلة استغرقت 10 ساعات، وسابقا كانت تستغرق أقلّ من ساعة. لم أكن متعبة لشدّة فرحتي بوصولي بخير الى مدينة طفولتي. قلت لأمي: “هيا بنا إلى السوق ونشتري بعض الطعام”.
في سوق باب الفرج وأمام المخبز حيث يتوافد الكثير من الناس، رأيت فتاة لا تتجاوز 12 عاماً من عمرها. كانت ترتدي لباس نوم خفيف. ظننت انها تتسوّل، ومن الفقر ترتدي هذا اللباس الذي وجدته في مكان ما. وعندما اقتربت منها لأعطيها ما تيسر من المال، فوجدتها تتهرب مني. وبعد إصراري على التحدث معها، قالت لي: “لا مصلحة لي معكِ لذا دعكِ عني”.
زاد فضولي لأعرف ما تقصده. هل يعقل ان ما دار في راسي صحيح؟ وكانت بالفعل طفلة تمارس الدعارة مقابل ألفي ليرة ووجبة غداء. وكان الغداء عندها شرطاً للذهاب. اباها وامها دفعاها لهذا العمل بعد نزوحهم من حلب الشرقية. وبعد متابعتي للتسوق وجدت الكثيرات مثلها. بدا هذا المنظر اعتياديا بالنسبة للمارة هنا.
هبة العبود (24 عاماً) تعمل في المجال الإذاعي والإخباري في راديو فريش. تركت دراسة الأدب العربي في جامعة دمشق قسم الآداب والعلوم الإنسانية بسبب الثورة.