ماذا لو سقطت إدلب
"الخيارات أمام المدنيين هي خيارات حرب فرضت عليهم، وأي خيار لن يكون نزهة، وفي حال سقطت إدلب ستكون وبحسب السكان المحليين "قيامة إدلب."
ماذا لو سقطت إدلب؟
على بعد كيلومترات عن خط الجبهة المشتعلة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، مناطق كاملة تتهاوى أمام تقدم القوات التابعة لحزب البعث وحلفائه. قرى وبلدات سقطت بعد عشرات الغارات الجوية، هذا التقدم السريع يدفع للكثير من التساؤلات، ماذا بعد؟ ماذا لو سقطت هذه المنطقة؟
محافظة إدلب تعتبر آخر قلاع الثورة السورية التي انطلقت في 15 مارس/ آذار 2011. تجتمع فيها أغلب الفصائل المسلحة، وتعتبر المحافظة الوحيدة الحالية الخارجة عن سيطرة قوات نظام الأسد بأكملها، ما عدا جيبين صغيرين لبلدات تقع إلى الشمال من مركز المحافظة، ولكنها محاصرة من قبل فصائل الثورة المسلحة، ودخلت فيما يعرف بـ”اتفاق المدن الأربعة”.
يعيش في إدلب بحسب السجلات ما يقارب المليون ونصف المليون نسمة، لكن أعداد المقيمين في المحافظة تقدر اليوم بأكثر من مليوني نسمة بعد السياسة التي اتبعها نظام حزب البعث وحلفاؤه في باقي المحافظات، بتهجير السكان إلى إدلب.
دخلت مدينة إدلب في اتفاق خفض التصعيد الذي وقعته تركيا مع روسيا وإيران، ما أفسح في المجال للسكان لالتقاط أنفاسهم، والخروج قليلاً من أجواء الحرب. لم يصمد الاتفاق طويلاً، فبعد انتهاء قوات النظام من السيطرة على محافظة دير الزور مناصفة مع القوات الكردية، توجهت الأنظار إلى إدلب.
السكان هنا يقولون أنه وبمجرد الانتهاء من دير الزور ستتوجه الأنظار إليهم، ولكنهم يقولون أيضاً إنها كانت فرصة للعودة إلى الحياة الطبيعية.
لم يتمكن السكان من الاستعداد بعد لظروف الحرب. فقد بدأ بالهجوم على ريف إدلب الجنوبي الشرقي. تهاوت المناطق بسرعة أمام قواته، ولم يمنع تقدمه كثرة الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة، ويقول السكان المحليون إن الخلافات بين هذه الفصائل لعبت دوراً في تقدم قوات النظام.
التقدم السريع يرافقه قصف لم يشهد السكان له مثيل، ما اضطرهم لأخذ القرار بالنزوح من بلداتهم وقراهم. على عجل، وبدون أي إنذار لملم الأهالي ما يحتاجونه، لم يترك التقدم السريع أمامهم مجالاً للتفكير سوى بالفرار بأرواحهم، الرحلة لن تكون سهلة، فهي مجهولة، مضنية، منهكة حتى للرجال، فكيف النساء والأطفال.
لا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد النازحين. في الشوارع التي تصل بلدات إدلب ببعضها، يتم رصد العديد المركبات المحملة بالمتاع، وعلى المتاع نساء وأطفال، وكأنها منازل تسير بأصحابها. لكن وبحسب ناشطين تقدر أعداد النازحيين بعشرات الآلاف.
يعول السكان في إدلب على الحليفة القوية تركيا للدفاع عن اتفاق خفض التصعيد، ويعتقدون أن تركيا قادرة على قلب المعادلة لصالحهم، فيما يرى البعض أن تركيا تعمل وفق مصالحها، وهي جاهزة للتضحية بالمدينة مقابل مكاسب سياسية مع روسيا على حدودها الجنوبية.
بينما يعول المدنيون على تركيا، تقف بعض الفصائل الإسلامية التي رفضت اتفاقيات “أستانة” و”مناطق خفض التصعيد” وحيدة، لكنها لم تستطع الصمود طويلاً، ما دفع الفصائل الأخرى التابعة للمعارضة المسلحة لدخول المعركة ضد قوات النظام في ريف إدلب الشرقي، بسبب الخطر الكبير الذي شكله هذا التقدم.
ريف إدلب الشرقي يضم العديد من القرى الصغيرة ذات كثافة سكانية قليلة، وتقدم قوات نظام الأسد دفع الأهالي إلى النزوح إلى ريف إدلب الشمالي والجنوبي، ويعتقد السكان إن تمكنت قوات الأسد من السيطرة بشكل كامل على الريف الشرقي، سيكون هدفها التالي مدنهم وقراهم في الريف الجنوبي.
التركيبة السكانية من حيث الكثافة السكانية مختلفة بشكل كبير بين شرقي إدلب وجنوبها، فبينما يضم الريف الشرقي قرى صغيرة متناثرة بكثافة سكانية متدنية، يضم الريف الجنوبي مدن كبيرة ذات كثافة سكانية مرتفعة، كمدينة خان شيخون ومعرة النعمان وكفرنبل وغيرها الكثير.
هذه الكثافة السكانية الكبيرة تحمل في طياتها كارثة كبيرة لو حاولت قوات النظام التقدم باتجاهها، فالتقدم يحمل معه قصفاً عشوائياً، وتدفقاً للموجات البشرية باتجاه الشمال… الشمال الذي لم يعد يستوعب موجات نزوح أخرى.
تضيق الخيارات أمام السكان، فالنزوح إلى الشمال لا يبدو حلاً بالنسبة إليهم، وحتى فكرة النزوح تبدو خياراً صعباً، فبينما يرى عامل البناء رجب الشاهين أنه في حال تقدمت قوات نظام الأسد باتجاههم سيكون امام خيار وحيد كان قد حسمه بعد تفكير طويل، وهو القتال للدفاع عن أرضه، وبالنسبة لعائلته سيقوم بتأمينها مع أهله الذين حسموا أمرهم بالنزوح باتجاه الشمال.
يبدو خيار القتال بالنسبة للفئة الشابة في الريف الجنوبي هو الخيار الطاغي على الخيارات الأخرى، لكن الغالبية العظمى من السكان ترى خيار الفرار بأرواحها هو الخيار الأفضل للنجاة بأطفالهم ونسائهم.
تغص الحدود السورية التركية في شمال إدلب بالنازحين، ولن تكون وجهة أغلب الذين يضعون خياراتهم الصعبة بالنزوح إليها، يفكر البعض بالنزوح إلى تركيا، المتخوفة أساساً من موجات نزوح جديدة، وكانت قد صرحت مرات عدة أنها لن تستقبل لاجئين جدد، لذلك بنت جداراً على حدودها.
تبدو فكرة العبور خلسة إلى تركيا مهمة خطرة جداً، حيث لا يتوانى حرس الحدود التركي عن إطلاق النار على المدنيين الفارين من الحرب. وقد وثق ناشطون محليون عدة حوادث قتل تعرض لها الفارون من الحرب على طول الحدود السورية التركية.
الخيارات أمام المدنيين هي خيارات حرب فرضت عليهم، وأي خيار لن يكون نزهة، وفي حال سقطت إدلب ستكون وبحسب السكان المحليين “قيامة إدلب”.