قتلوا ابنتي في حضني
طفلات سوريات يتزلحقن على زحليقة خلال أيام العيد في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا.
كنت في زيارة جارتي أم يحيى التي كانت تعد طعام الغداء. كانت تمعن النظر في وجه ابنتي ريم. نظراتها كانت غريبة كثيراً، وكان يشوبها الحزن.
سألت أم يحيى: هل في شكل ابنتي ما يدفعك للنظر إليها بتمعن هكذا؟
أجابت على سؤالي بسؤال: كم عمر ابنتك؟
أجبتها: 6 سنوات.
أجهشت أم يحيى بالبكاء. تركت كل شيء من يدها.
سألتها: أم يحيى أنتِ جارتي وبمثابه اختي. لماذا تبكين؟ ما بكِ؟
نظرت إم يحيي إليّ وبدأت برواية قصتها، وقالت: كما تعرفين نحن من قرية تل ملح في ريف حماه الجنوبي.حين اقتحم الجيش قريتنا، كنت نائمة أنا وأطفالي.كانت ابنتي سارة تنام بجانبي. كانت هي صغيرتي ومدلّلتي.كان عمرها ثلاث سنوات.
أفقنا صباحاً على أصوات إطلاق الرشقات من الرشاشات الثقيلة، واطلاق الرصاص من كل جانب. ذهب زوجي أحمد ليقاوم الاقتحام مع رجال القرية.
أما أنا فحملت أولادي وتجهت بهم شمالاً، كما فعلت الكثير من العائلات في القرية. من كان لديه سيارة أخرج أطفاله فيها ومن لم يكن لديه سيارة لم يجد امامه سوى المسير باتجاه الشمال، بعيداً عن الموت.
كنت أركض مع أولادي حين سمعنا ذاك الرجل يدعو المشاة إلى الصعود على متن جراره الزراعي. وهذا ما حصل. صعدنا ودعونا له ان يحميه الله ويحمينا.
وفي طريق ذهابنا، سمعنا صوت طائرة حربية. قرر السائق أن يترك الطريق واسرع بالجرار نحو الأراضي الزراعية. توقف بالجرار تحت ظل شجرة. بدأ الناس بالنزول من الجرار. كنت أحتضن أولادي حولي.
لحظات وصدر ذلك الصوت المجنون . أصوات انفجارات متتالية. كان الناس يصيحون بنا، والغبار يعم المكان. أبنائي كانوا يبكون حولي ويصيحون.
كانت صغيرتي سارة تبكي بشدة، ولكنها ومع آخر غارة توقفت عن البكاء. أحسست بحرارة جسدها تزداد. نظرت فإذا باللون الأحمر يتمدد فوق ثيابي. لم أكن أنا المصابة. كانت سارة بلا حراك. لم تكن نائمة ولم تكن في حالة صدمة. الدماء ساخنة أما سارة فباردة. بدأت بالصراخ لا وقت للنوم الآن. طالبتها بأن تستيقظ بأن تنهض. ولكنني كنت أعرف في قرارة نفسي أنها رحلت.
قد نالت شرف الشهادة بشظية صغيرة، اردتها دون حراك. وفي أحضاني لفظت أنفاسها الأخيرة دون أن أعلم. لم يصب أحد ممن كانوا هناك سواها. وكانت إصابتها قاتلة. ودّعتها قبل دفنها، ودفنت معها كل حبي فهي كانت مدلّلتي. حين علم زوجي بوفاة ابنته، أقسم أن يقاتل النظام حتى آخر يوم في حياته.
أتيت مع أولادي إلى بلدة معرة حرمة في ريف إدلب المحرر. ولا زلت أقاسي أنواع الفقر بسب غلاء الاسعار وغلاء لقمة العيش”.
ما إن أنهت أم يحيى قصتها حتى بدأت أنا بالبكاء. ابنتها لو بقيت حية لكانت بعمر ابنتي ريم، لذلك كانت تنظر طويلاً إليها.
أين يعيش الإنسان في وطننا هذا وقد سلب منه كل شيء يملكه؟ كرامته، بيته، أرضه وكل من يحب.
فرح العمر (26 عاماً) من ريف حماه الغربي متزوجه وأم لاربعة أطفال تحمل الشهادة الإعدادية.