عاد أخي الينا فاقداً بصره
شاب يجلس على الطريق في مدينة زملكا
"بعد كشف الأطباء عليه أخبروا خالي بأنه فقد بصره، ولا يستطيعون فعل أي شيء له"
عشت حياة هادئة وجميلة مع عائلتي المكونة من عشرة أولاد خمس صبيان وخمس بنات كنا نلعب ونمرح كثيراً في منزلنا الصغير المليء بالسعادة.
سرعان ما تحولت هذه السعادة إلى خيمة حزن، مع اندلاع الثورة. كان إخوتي من أوائل المشاركين بالمظاهرات السلمية، كانوا يرفعون الأغصان الخضراء لكن وحشية النظام وقمعه للمتظاهرين جعلهم يمسكون السلاح بأيديهم للدفاع عن وطنهم وشرفهم.
وبعد مرور حوالي السنة على الثورة وتحرير بلدتنا كنا نعتقد أننا سنعيش بأمان لكن الغارات التي كانت تشنها الطائرات لم تدعنا نشعر بالأمان.
كان أخي الكبير الذي يبلغ من العمر 25 سنة بدأ بتشكيل كتيبة للخروج مع الثوار وتحرير باقي المدن. ذات يوم طلب من أمي أن تجهز له بعض الملابس، وطلب منها أن تقوم بالدعاء له… صورة أمي كانت في حقيبته الشخصية دائماً.
ذهب مع مجموعة من الشباب إلى قرية الطليسية في ريف حماه الشرقي. كنا كل يوم ندعو الله أن يعيده لنا بالسلامة. في تلك الفترة كانت أمي حزينة لبعده عنا، فقد بقي بعيداً مدة عشرين يوماً. كان قلبنا يتقطع من الخوف عليه.
أذكر حين اتصل بنا بعد انقطاع وأخبرنا أنه سيعود إلى المنزل. “الوضع متوتر للغاية القذائف تتساقط بالقرب منّا” كما قال، وكان هذا كل ما قاله قبل أن ينقطع الاتصال.
لم تكد تمر ساعة من الزمن على اتصاله حتى رنّ الهاتف مجدداً. عندها اعتقدنا أنه هو من يتصل ولكن كان أحد أصدقائه، وأخبرنا بأن أخي أصيب بإحدى الشظايا، فقام رفاقه بإسعافه إلى المشفى المتواجد في مخيم أطمة لكن لخطورة إصابته لم يستقبلوه وحولوه إلى مشفى أنطاكية المتواجد داخل تركيا.
عندما أخبرونا سقطت أمي على الأرض مغمىاً عليها. حين عادت إلى وعيها كانت الدموع تتساقط من عيوننا خوفاً من فقدانه. كان الأخ الأكثر شهامة وقوة فهو المثل الأعلى بالنسبة لي، كان قلبي يتقطع خوفاً عليه.
طلبت أمي من خالي أخذها إلى أخي. كان يحبها كثيراً ولا يستطيع أن يعارضها. لم تكن أمي تملك جواز سفر، فاضطررت للدخول خلسة إلى تركيا بمساعدة مهربين مقابل مبلغ من المال. عندما وصلت أمي إلى المشفى كان قد تم إدخال أخي إلى العناية المشددة. بقي لساعات ثم خرج الطبيب ليخبرهم أن وضعه خطير للغاية، فقد كانت هناك شظية قد قد استقرت في عينه ولا يستطيع فعل أي شيء حتى يتوقف النزيف.
كانت تلك اللحظات من أصعب ما تعرضنا له. حياة أخي بخطر، ولا نعلم إذا كان سيعود إلينا أم لا.. كانت الأفكار تراودني كثيراً حول وضع أخي، بعد أسبوع قرر الأطباء نقله إلى المشفى المتواجد في أنقرة لإجراء عملية لعينيه لتوفر المعدات هناك. ذهب خالي برفقته فهو يمتلك جواز سفر فيما بقيت أمي عند ابني عمي الذي كان يقيم في أنطاكية تنتظر خبراً من خالي.
بعد كشف الأطباء عليه أخبروا خالي بأنه فقد بصره، ولا يستطيعون فعل أي شيء له. وطلبوا منه إعادته إلى مشفى أنطاكية. وبعد وصولهم إلى أنطاكيا أخبرنا خالي عن وضع أخي وأنه فقد بصره، وأنه سيبقى لفترة عشرة أيام في المشفى ليستقر وضعه وبعدها يتم إخراجه.
بعد مرور تلك الفترة عاد أخي إلى المنزل فاقداً بصره. كانت الفترة الأولى صعبة عليه فلم يعد قادراً على التحرك في المنزل بحرية. ولكن بعد مرور حوالي الشهر تأقلم بعض الشيء مع مسار حياته الجديدة.
أمل الأحمد (24 عاماً) أم لطفل واحد تعمل كمحررة في موقع راديو فرش في كفرنبل.