المعركة مستمرة
نساء من مدينة زملكا يمشون على الطريق وتظهر الابنية مدمرة بشكل كامل
" تعافى زوجي، وعاد كما كان، وعاد إلى المعارك حاولت منعه، لكنه لم يمتنع ولا زال حتى اليوم يخرج ليحمينا."
ذهبت أختي امل معي لزيارة أهل زوجي. كانت ابنتهم أسماء فرحة جدا بخطبتها، وقريبا سيكون زواجها. أما زوجي فكان على جبهة الزلاقيات. واختي كانت ستمضي معي الليلة، كما جرت العادة في غيابه.
بعد أن نام أولادي، رحت أمازح أمل وأخبرها عن رغبتي بتزويجها محمد اخ زوجي. لكنها لم تجب، بل اكتفت بالخجل والتعبير عن رغبتها بالنوم. فتركتها وشأنها.
كنت أخاف على زوجي كثيراً، وفي كل مرة كان يذهب الى الجبهة كنت ادعو الله ان يعيده سالماً. نمت تلك الليلة بهدوء حتى الصباح، وباكراً بدأ بأعمال المنزل. سمعت صوتاً عند مدخل بيتنا. كان محمد أخ زوجي يتكلم بالجوال. بدت عليه علامات الارتباك.
عندما رآني دخل إلى المنزل وقال لي: “يمكن لأختك أن تهتم بالأطفال، هيا بنا نسرعة”.
تعجبت من طلبه سألته: “الى أين نذهب؟”
أجابني: “هناك ستعلمين”.
زاد قلقي وخوفي، أهو أبي المريض أم زوجي الذي لا أعلم عنه شيئاً.
أيقظت أختي وأبنائي وأبلغتهم باضطراري للمغادرة، وذهبت مع محمد الذي كان يتأفف طول الطريق.
وكأنّه يحمل جبالاً على ظهره. وعندما سألته ما به وما يخفي عنه اكتفى بالصمتـ حتى وصلنا إلى مشفى أورينت في بلدة كفرنبل.
أوقفته وسألته: “محمد من يوجد هنا؟ أبي أم زوجي”. وبدأت بالبكاء.
أجابني بهدوء: “أخي، لقد أصيب ولكن إصابته ليست بالغة”.
أسرعت خلفه ودخلنا إلى المشفى والخوف يملأ كياني، ودموعي تتساقط رغماً عني. كدت أسقط أرضاً.
دخلنا غرفته بسرعة، نظرت إليه وبدأت أتفقد أطرافه. لم يكن معصب الرأس، لم تظهر عليه إصابة. كان غائباً عن
كان جسده سليما ما عدا بعض القطن الذي وضعوه في اذنيه.
دخل الطبيب الغرفة، سالته عن حالة زوجي فأجاب: “هو بخير، ولكن صوت انفجار صاروخ قريب منه ألحق الضرر بأذنيه”. حمدت الله على سلامة زوجي. بقيت وقتها أنظر إليه وأنتظر أن يستيقظ من تأثير المسكنات. وبعد بضع ساعات افاق زوجي. نظرت إليه وبدأت أكلمه لكنه لم يكن يسمعني.
جلست بجانبه، أمسكت بيده فأمسك بيدي بقوة وقال بصوت هادئ: “ظننت أني لن اراك مجدداً”. كان وجهه اصفر
وعلامات التعب بادية عليه. أومأت له أن لا يتعب نفسه بالكلام.
أبلغنا الطبيب أننا نستطيع أخذه إلى المنزل منبها من ضرر دخول الماء والهواء إلى أذنيه لمدة شهر.
وبعد مرور فترة من الزمن تعافى زوجي، وعاد كما كان، وعاد إلى المعارك حاولت منعه، لكنه لم يمتنع ولا زال حتى اليوم يخرج ليحمينا. المعركة مستمرة وهو لا يخاف الإصابة ولا الموت في سبيل الوطن.
فرح العمر (26 عاماً) من ريف حماه الغربي متزوجه وأم لاربعة أطفال تحمل الشهادة الإعدادية.