اللشمانيا تعود إلى ريف إدلب
"يلاحظ إنتشار مرض اللشمانيا بشكل كبير في المناطق الفقيرة غالباً، وخاصة الأماكن القريبة من المناطق التي تكثر فيها برك المياه الراكدة، والمناطق التي تتواجد فيها الأشجار"
تخبئ أحلام العكل (14 عاما) وجهها بيدها طيلة الوقت، ليس خجلاً بل لأنها تحاول أن تخفي ما تسبب لها به ظهور اللشمانيا في وجهها من تشوهات وتقرحات. تقول أحلام بحزن: “حتى لو شفيت، اللشمانيا ستترك ندبة وأثراً، كم كنت أتمنى لو أنها أصابت مكانا غير وجهي”.
تقول والدة أحلام وتدعى أم جمال (40 )عاما “لم تكن أحلام الوحيدة في الأسرة التي أصيبت باللشمانيا، وإنما اثنين من أولادي أصيبا بها. وكل ما أخشاه أن لا يشفى أولادي من هذا المرض الجلدي الذي يتسبب بتشوه كبير لهم”.
تتردد ـم جمال على المركز الصحي في معرة النعمان على الدوام من أجل الحصول على الدواء الذي هو عبارة عن إبر يتم حقنها في مكان الإصابة. غير أن ذلك يبدو غير مجدي من وجهة نظر الأم، التي لم تجد تحسناً ملحوظاً لأولادها حتى الآن. علماً أنها تقصد المستوصف منذ أكثر من ستة أشهر.
من جهتها إخلاص السلمان (30عاما) لم تدع وسيلة إلا وجربتها لعلاج اللشمانيا الذي أصابت وجه إبنها الصغير. تقول إخلاص بغضب: “المشكلة أن الحقن لا تعطي نتيجة سريعة. وبالوقت نفسه تتسبب بألم كبير لطفلي كونه يحقن في وجهه حيث موضع الإصابة. ولذلك أبحث عن طرق علاج بديلة ومنها الطب العربي الذي أجد أنه أكثر سهولة من الحقن”.
يلاحظ إنتشار مرض اللشمانيا بشكل كبير في المناطق الفقيرة غالباً، وخاصة الأماكن القريبة من المناطق التي تكثر فيها برك المياه الراكدة، والمناطق التي تتواجد فيها الأشجار إضافة الى الأماكن القريبة من مكبات النفايات.
وعن هذا المرض الجلدي الخطير يتحدث الطبيب المختص معن الحراكي (45 عاماً) فيقول لحكايات سوريا “إن مرض اللشمانيا أو ما يطلق عليه حبة حلب، ينتشر جراء لسعة ذبابة تدعى بذبابة الرمل أو الذبابة الفاصدة، وهي التي تحمل الطفيلي المسبب للمرض، إنها حشرة صغيرة جدا لا يتجاوز حجمها ثلث حجم البعوضة العادية، لونها أصفر وتنتقل قفزاً ويزداد نشاطها ليلا ولا تصدر صوتا لذا قد تلسع الشخص دون أن يشعر بها”.
وينبه الطبيب الحراكي إلى أماكن انتشار هذه الحشرة وهي حظائر الحيوانات، سقوف المباني، الأماكن المظلمة أو المهجورة، الكهوف والأراضي الزراعية، القمامة بين الأماكن السكنية والساحات العامة، إضافة إلى تواجد المجاري المائية المكشوفة لمياه الصرف الصحي، وعدم إستخدام مبيدات الحشرية، مما يؤدي إلى إزدياد الإصابة بهذا المرض في الأونة الأخيرة”.
ويحذر الطبيب الحراكي من أن عدم معالجة الإصابة بسرعة يمكن أن يؤدي إلى حدوث تشوهات جلدية خطيرة.
المسؤول الإعلامي لدى المجلس المحلي في مدينة كفرنبل محمود الخطيب (32 عاماً) يؤكد أن المجلس عمل ويعمل على إيجاد حلول للمسطحات المائية المكشوفة، بردمها ووضع أنابيب لتصريفها بشكل دوري، وخاصة بعدما لحق بها من أذى بسبب القصف على مدى ست سنوات.
ويقول الخطيب: “المجلس يعمل جاهداً على استجلاب الدعم من المنظمات الدولية بغية مكافحة الحشرات، عن طريق إطلاق حملات رش مبيدات حشرية في المنازل والمزارع بغية القضاء على حشرة ذبابة الرمل”.
ويضيف الخطيب: “لقد استعنا بمنظمة أوربية تدعى مونتير، وهي أمدتنا بمواد مبيدات حشرية ذات تأثير مديد يستمر لمدة ستة أشهر متوالية اي طيلة فصل الصيف. وتتميز هذه المبيدات بأنه ليس لديها رائحة أو ضرر على الإنسان. غير أن تأثيرها جدا قوي على الحشرات والبعوض والذباب. ولقيت إستحساناً كبيراً من الأهالي. وشملت الحملة جميع ريف إدلب وتحاول المجالس المحلية ألا تستثني أي بيت”.
ويقرّ الخطيب بـ”أن المنظمة هذا العام تأخرت في ارسال هذه المبيدات، مما كان له الأثر السلبي لإنتشار الحشرات ومضاعفة الإصابات باللشمانيا الجلدية”.
الممرض جميل محروق (30 عاماً) يعمل في قسم اللشمانيا ضمن مركز كفرنبل الطبي وهو يتحدث عن الحالات الواردة إلى المركز فيقول لحكايات سوريا: “يتم علاج 40 حالة لشمانيا إسبوعيا بينها من 5 إلى 10 حالات إصابة جديدة، ومن بين المصابين نازحين ومقيمين من كفرنبل والقرى والبلدات المجاورة”.
ويوضح محروق أن تشخيص الحالات يتم إما سريريا أو عن طريق التحليل المخبري ويكون العلاج بالحقن الموضعي ضمن الإصابة وأحيانا بالحقن العضلي. ويستخدم في العلاج نوعان من الأدوية وهي الغلوكنتيم والبونتسنام. ومنظمة مونتير هي من تمدنا بالأدوية المعالجة.
ويلفت محروق إلى نوعين من الإصابات باللشمانيا وهي جلدية وحشوية. وأكثر الحالات التي ترد إلى المركز هي إصابات جلدية، وتصنف درجتها بأنها أقل خطورة من الحالات الحشوية.
إلى ذلك يشهد المركز الصحي في بلدة معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي زيارات كثيرة من المرضى المصابين باللشمانيا رغم النقص الشديد في كمية الدواء وصعوبة الحصول عليه. وهناك أكثر من 200 إصابة في البلدة بحاجة ماسة إلى دواء بحسب مدير المركز الطبيب محمد (41 عاماً).
من جهة أخرى تدعو سهام العبيدو الأربعينية التي أصيب عدد من أولادها باللشمانيا جميع المعنيين من مجالس محلية ومنظمات طبية للعمل على إتاحة فرص الوقاية قبل تأمين العلاج، وذلك بالقضاء على ذبابة الرمل الناقلة للمرض باستعمال المبيدات الحشرية المتوفرة، وتأمين الناموسيات وشبكات النوافذ التي تمنع الحشرات من دخول المنازل فـ “درهم وقاية خيرا من قنطار علاج”.