التعرُّض لزوجات المعتقلين!
امرأة من الريف الادلبي تحمل أحد أطفالها- تصوير معهد صحافة الحرب والسلام-
"يعتقلون الآلاف من خيرة شباب سوريا، ويُخفونهم ليبقوا مجهولي المصير... ثمَّ أكثر من ذلك، يتعرّضون لنسائهم إن بحثوا عن أزواجهن... أيُّ نظامٍ حقيرٍ هذا؟!"
كان زوجي بالنسبة لي كلَّ شيء، كان الأب والصديق… كنتُ متعلّقة به حدَّ الإدمان! قضيت معهُ عشر سنوات، كانت أجمل أيام حياتي ورزقنا الله بأربعة أولاد… لكن وكأنه حلم، وقد انتهى في أيلول/سبتمبر 2013، يومَ اعتقله النظام!
في سوريا، حين تفقد شخصاً نتيجة الإعتقال، لا تعرف في أي فرع هو. وبالتالي قد يصبح مجهول المصير… فعليكَ أن تبدأ البحث عنه، وإن وجدتهُ ولو بقي مسجوناً، تلك فرحة عارمة… لأنّ الكثير من المعتقلين يبقون مجهولي المصير والبعض يتم تصفيته…
في الأشهر الأولى من اعتقال زوجي، كنتُ تحت تأثير الصدمة… لم أبدأ فوراً بالبحث عنهُ، ثمّ لم أجد معيناً لي في ذلك…
لكن في نيسان/أبريل 2014، أي بعد سبعة أشهر من اعتقاله، جاءَ شقيقه يخبرني أنّ امرأة من ريف حماة حيثُ نسكن، أتتْ إليه وقالت لهُ أن هناك من أخبرها أنَّ ابنها وزوجي موجودان في سجن عدرا في دمشق!
غمرت الفرحة قلبي الحزين، وذهبتُ إلى السوق وبعتُ قطعة ذهب أمتلكها كي أشتري الملابس لزوجي السجين وأؤمّن مصاريف الرحلة!
ثمَّ في المساء ذهبتُ إلى منزل السيدة وانتقلنا في الصباح إلى دمشق، واصطحبتُ معي ابنتي الصغيرة وكان لها من العمر سنتين…
وصلنا إلى دمشق في وقتٍ متأخر نتيجة الحواجز على الطرقات، وهناك بتنا في منزل أقارب السيدة، وكان المنزل قريبا من سجن عدرا…
وفي الصباح الباكر حانَ موعد اللقاء! لكن و أسفاه!
التقت السيدة بابنها، أمّا أنا وبعد عناء الطريق والأمل الذي كان قد راودني بلقاء زوجي، قالَ لي الشرطي حين تقدّمت للحصول على بطاقة الزيارة: “زوجك غير موجود عندنا”.
ما هذا بحق السماء؟
الكثير من أسماء المعتقلين تنُشر، لكن للأسف، لا تكون دقيقة أو يكون هناك تشابه بالأسماء… ذلك لأنًّ المصدر هو المعتقلون أنفسهم، حين يتناقلون الأسماء بين نوافذ غرف الاعتقال…
عدتُ مع خيبة كبيرة… قضيتُ ليلتي مع ذات السيدة في ذاكَ المنزل، وفي الصباح كنتُ أنوي العودة إلى البلدة…
لكنَّ أحد أقارب زوجي اتصل بي وقال أن أستثمر وجودي في دمشق وأذهب إلى مكتب عقيدٍ في جيش النظام. أعطاني إسم ذاكَ العقيد على أنهُ قد يساعدني بالبحث عن زوجي! وهذا ما حصلَ حيثُ كنتُ أقول أنني لن أستسلم…. وسأناضل من أجل البحث عن والد أولادي…
لكنَّ العقيد ذاك وبعدما مررتُ بحواجز كثيرة للقائه، بدل أن يساعدني صار يريد التحقيق معي في الثورة ودورنا فيها! الشيء الوحيد الذي أفادني به ذاكَ العقيد هو أنهُ قالَ لي: “لا أعرف مكان زوجك، اذهبي إلى قصر العدل وقدّمي طلب بحثٍ عنهُ”.
وهذا ما حصل في الصباح! لكنَّ طلب البحث تصدر نتيجته، إن تمّت طبعاً، بعدَ 40 يوماً، قلت للشرطي هناك أنهُ يصعب علي العودة بعد أربعين يوما لأني أسكن في ريف حماة، فعرض علي المساعدة مقابل شيء مقزز علي أن أقدمهُ لهُ!
تعرّضت لثالث خيبة أمل خلال يومين: السجن وعدم وجود زوجي فيه، والعقيد، وذاكَ الشرطي الحقير!
هنا قلتُ لابنتي التي كنتُ أحملها أمام المحكمة: لم أعد أريد البحث عن والدكِ! فـخيبات الأمل كادت أن تقتلني وحلمي بلقاء زوجي، تنازلتُ عنهُ مقابل أمل العودة إلى أبنائي، من دون أن ينال مني أحد!
فصول الخيبة لم تنتهِ، فحتى في طريق عودتي تعرّضت للتحرّش على حاجز النظام…
يعتقلون الآلاف من خيرة شباب سوريا، ويُخفونهم ليبقوا مجهولي المصير… ثمَّ أكثر من ذلك، يتعرّضون لنسائهم إن بحثوا عن أزواجهن… أيُّ نظامٍ حقيرٍ هذا؟!
أم جمال (29 سنة) من إحدى قرى ريف حماة الجنوبي. زوجة معتقل وأم لأربعة أطفال، لا تعمل وتبحث عن عملٍ لتعيل أطفالها الصغار.