معهد لإعداد القضاة لتحقيق العدالة في سوريا
يعتبر إبراهيم الحسون (39 عاماً) أن “الثورة السورية كانت جسر النجاة من نظام ظالم سعى سابقاً لتسيير المؤسسات القضائية كما يشاء، واستشرى في عهده الفساد والظلم”. ويعتقد الحسون أنه “لهذا السبب كان لزاماً علينا تأهيل قضاة يتمتعون بالنزاهة والمصداقية، يطالبون بالعدل والمساواة وبيعدون المحسوبيات عن المحاكم، ويصدرون الأحكام الرادعة التي تعيد الحقوق إلى أصحابها”.
إبراهيم الحسون يتولى اليوم إدارة معهد إعداد القضاة في ريف إدلب الذي تأسس في أواخر شهر آذار/مارس 2013، وفتح أبوابه لتأهيل كوادر علمية تخصصية للعمل في المحاكم الشرعية. ويأتي هذا الإجراء بعدما أصبح وجود الهيئات والمحاكم الشرعية واقعاً على الأرض، وأصبح من أهم الضرورات وجود محاكم وقضاة مهنيين يطالبون بإحقاق العدالة لتطبيق أهم مطلب من مطالب الثورة السورية وهو العدالة الاجتماعية.
ويؤكد الحسون أن الهدف من المعهد “نشر المفاهيم الأصلية للقضاء الشرعي وتطوير عمل المحاكم الشرعية مع التركيز على تأهيل القضاة العاملين في المحاكم”. ويوضح كيف “اقتصر الأمر في البداية على دورات مهارية للعاملين في الهيئات القضائية لسد بعض النقص الذي كان يعانيه قضاة هذه الهيئات، ولإفادة من هو على رأس عمله وإكسابه بعض المهارات”
ويلفت الحسون إلى “أن اختيار المستفيدين يتم اليوم بناء على المؤهل العلمي والمقابلة التي يجريها المعهد مع المتقدمين حيث وضع شروطاً للانتساب، ومنها أن يكون المنتسب حاملاً لإجازة جامعية في الشريعة أو الحقوق”.
الطالب يدرس خلال سنة كاملة مواد علمية ومهارية عددها 14 مادة موزعة على فصلين. وقد تم اعتماد المواد من قبل اختصاصيين من العالمين العربي والإسلامي وبمعايير جامعات عالمية، وبعد الاطلاع على مناهج المعاهد القضائية في بعض الدول.
المحامي الأستاذ أحمد الكردي (45 عاماً) وهو أحد مدرسي المعهد يقول: “يعمل في المعهد مدرسون من أصحاب الخبرة في العمل القضائي، ومن حملة الشهادات العليا كالدكتوراه في الفقه أو الدبلوم العالي في القضاء، أو محامين ذوي خبرة طويلة وكفاءة في العمل القضائي. نادراً ما تتم الاستعانة بخبرات قضائية من خارج سوريا”. ويكون الخريج بحسب الكردي “مؤهلاً للعمل كقاضٍ أو مساعد قاضٍ أو عضو في لجنة تحكيم، مع العلم بأن المعهد يتميز بعلاقات طيبة مع الهيئات القضائية العاملة في المناطق المحررة، حيث وقع اتفاقيات مع عدد منها يتم بموجبها اعتماد شهادة المعهد وتوظيف المتخرجين في هذه الهيئات.”
ويتوقف الكردي عند العوائق التي تواجه عمل المعهد ويؤكد “أن أكبر العوائق هو فقدان الأمان حيث تم تغيير مكان المعهد عدة مرات بسبب استهدافه بالقصف. وقد تم إلغاء بعض الدورات والنشاطات لهذا السبب، إضافة إلى ضعف الإمكانات المادية رغم المحاولات المتعددة من قبل المنظمات والفصائل لاستقطاب المعهد ودعمه مادياً ولكن اختصاص المعهد الدقيق جعل القائمين عليه يرفضون التبعية خوفاً من انحياز القضاء لصالح جهة معينة، كما أن الفقر والعوز المادي يمنع الكثيرين من متابعة دراستهم داخل المعهد”.
الشيخ وليد أبو الخير (41 عاماً) من ريف إدلب يتحدث عن أهمية المعهد قائلاً: “كان أداء القضاء في إدلب قليل الجدوى، والسبب الرئيسي لذلك هو ضعف الإمكانيات، ومستوى كفاءات الكوادر، وقلة القضاة. إضافة إلى هيمنة بعض الفصائل واستبعاد أهل العلم والاختصاص. ولكن المعهد عمل على تأهيل القضاة والمتخصصين في مجال عمل عمل قاضي علمياً وعملياً إضافة إلى إعداد البحوث والدراسات في الشأن القضائي، وخدم المجتمع عن طريق نشر الثقافة القضائية، كما أننا نستفيد كحقوقيين من المحاضرات التوعوية للقضاة والمحامين والمهتمين بالشأن القضائي ويقدم لنا الاستشارات المساهمة في تنظيم القضاء وتطويره .”
أما المحامي بديع شرف الدين (29 عاماً) يتحدث عن مدى استفادته من المعهد فيقول: “بعد حصولي على إجازة جامعية في الحقوق اندلعت الثورة، وأصبح من الصعب استكمال دراستي للحصول على الشهادات العليا، ويرجع ذلك إلى استبداد الحواجز التابعة للنظام، وخطورة التنقل بين مدن وبلدات سوريا. المعهد فتح أمامي أبواباً للمستقبل الذي لطالما حلمت به وهو العمل كقاض في أروقة المحاكم لسد حاجاتها وإقامة العدل وصيانة الحقوق. ونجحت بعد تخرجي من المعهد في متابعة قضايا الأحوال الشخصية والعلاقات الاجتماعية، وتمكنت من ضبط الكثير من قضايا السرقات ومحاسبة المسيئين، وأشعر بالسعادة حين ألتمس إقبال الناس لتسيير قضاياهم وتقديم الشكاوى” .
القاضي علي الشيخ (47 عاماً) يعمل في سلك القضاء منذ بداية الثورة، وقد استفاد من الدورات التخصصية القصيرة التي يقيمها المعهد بين الحين والآخر لتمكين العاملين في السلك الذين رشحتهم المحاكم. يقول القاضي الشيخ: “يقدم المعهد المشورة القضائية من قبل اللجنة العلمية في المعهد، ويصدر مجلة (قضاة الشام) وهي أول مجلة تهتم بالشؤون القضائية في سوريا. لذلك يعتبر المعهد تجربة رائدة في المناطق المحررة ،لأنه كان البديل الملائم والمؤسسة التي حلت محل الجامعة لتعنى بتدريس القضاء بشكل نظري وتطبيقي، وبكوادر مؤهلة وبنية إدارية مستقلة”