لا وطن لنا إلّا سوريا
A family displaced due to shelling in Aleppo in al-Ferdaws neighbourhood. Photo taken by: Hussam Kuwaifatiyeh
بعدما نزحت أختي مروة (34 عاماً)، مع عائلتها إلى مخيم مرعش في تركيا، قررت العودة إلى أحضان الوطن، وذلك بعد ثلاثة أعوام من النزوح.
كانت عودتهم في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2015، وكانوا قد غادروا سوريا في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2012.
مروة قصَّت للأقارب بعد عودتها، رحلة نزوحها وما عانته هي وعائلتها حتّى وصلت إلى الخيمة التي سكنت فيها كل هذه السنوات في تركيا.
“ركبنا السيارة وانطلقت بنا إلى بلد الأمان والراحة على حسب ظننا، أي تركيا، حيث لجأ إليها الكثيرون قبلنا. بدأت العقبات تعترض طريقنا الواحدة تلوَ الأخرى، حيث لاقتنا الكثير من المتاعب، قبل الوصول إلى الحدود.”
بدأت أختي البكاء بحرقة على حالها وحال عائلتها، فهم بالرغم من عودتهم، بحكم المشرّدين، بلا سكن وبلا أثاث منزل. لأنها قبل أن تذهب إلى تركيا، كانت تسكن في منزل عمي وبقي أثاث منزلها هناك… فطلبت منا إعطائه لمن يحتاجه من النازحين، وقمنا بذلك. وعندما عادت إلى كفرنبل، لم تكن تملك شيئاً من مستلزمات المنزل. لكن الحمد لله، قام أهل الخير وكالعادة، بإعطائها ما يلزم من أغراض للطبخ والنوم، وبعض الملابس متوسطة الحال.
هدأت أختي وتابعت الحديث عن رحلتها المأساوية، قالت: “قبل الوصول إلى الحلم المنشود، لم يُسمح لنا بعبور الحدود. فمكثنا لمدة أسبوع كامل، في مخيم على الحدود السورية التركية وهو مخيم أطمة. زوجي كان يقول: لا تخافوا، إن شاء الله اقتربَ الفرج!”
وتضيف مروة: “بعد ذلك، أصدرت الحكومة التركية قراراً بالسماح للاجئين بالدخول، لمناسبة عيد الأضحى. فدخلنا، وكنا نظن بأننا محظوظين بدخول تركيا! لكن دخلنا إلى مخيم جماعي للأسر، مكثنا فيه قرابة الشهرين، ننتظر الفرج من الله. ثم تقرَّر ذهابنا إلى مخيم مرعش. هنا كانت سعادتنا لا توصَف! وتوقعنا الأمان والراحة اللذين كنا نحلم بهما.”
يا لها من رحلة طويلة بدأت وانتهت بالمتاعب. فعندما رأيتُ وجه أختي لأول مرّة بعد غيابها الطويل، أحسست بشعور غريب ينتابني لأول مرّة! شعرت بحرقة في قلبي وغصّة في حلقي، وبدأت
الدموع تنهمر من عيني، رغم أني حاولت إخفاءها بشدّة حتّى لا تراها.
فعندما غادرت مروة المدينة إلى تركيا، كان وجهها يشعُّ نضارةً وشباباً، رغم القصف الذي كان يحدث! لكنها عادت بهيئة مختلفة تماماً، وقد بدا الكبر على وجهها، وعلتهُ التجاعيد!
لم تنتهِ مروة من حديثها، فبعدَ أن أخذت نفساً عميقاً وحبست دموعها، تابعت كلامها عن معيشتها في المخيمات قائلة: “مكثنا في مخيم مرعش لثلاثة أعوام. فعندما وصلنا المخيم كان عمر ولدي محمد لا يتجاوز الشهر، وأصبح الآن عمره ثلاثة أعوام.”
وتتابع: “لم نكن نعرف أنَّ السكن في المخيمات يشبه السكن في السجن، لكنه سجن كبير. كان كل شيء في المخيمات مشتركاً إلّا الخيمة… المجالي والغسيل والحمامات، مشتركة… عانينا قبل أن نقرِّر العودة إلى بلدنا سوريا، معاناةً كبيرة لا يحس بها إلّا مَن عاشها. عُدنا، رغم كل شيء هنا، من قتل وتدمير وظلم. طالبين من الله الفرج علينا جميعاً.”
“الحمد لله على عودتكم إلينا سالمين”… بهذه الكلمات واسيتُ أختي بعدما أنهت حديثها. لكن كنتُ أتمنى في قرارة نفسي أن تكون عودتها إلينا بعد خلاصنا من القصف والقتل والرعب. فليس واقعنا هنا، أفضل حالاً ممن هاجر وترك بلده… لكن يبدو أنَّ لا وطن لنا إلّا سوريا… لا وطن للإنسان إلّا مسقط رأسه مهما ابتعد!
خولة المحمد (40 عاماً) كانت تعمل كمدرّسة قبل الثورة وهي حاليا تعمل في راديو فرش في كفرنبل حيث تعيش مع والدها في منزل صغير.