جهود جبارة للإرتقاء بالمستوى الطبي في سوريا
A woman hit by shelling in al-Sakhur neighbourhood and being transported by ambulance to Turkey.
لم يستطع هشام (22 عاماً) أن يخفي فرحته بحصوله على طرف صناعي مجاني من أحد مراكز الرابطة الإغاثية الطبية للمغتربين السوريين “سيما”. أصبح بإمكانه أن يتحرك ويمشي على قدميه مجدداً، بعد أن كان قد تعرض لبتر قدمه اليمنى جراء قصف الطيران الحربي لبلدته حاس التابعة لريف إدلب الجنوبي.
هشام واحد من مئات الأشخاص الذين تأذوا خلال الحرب في سوريا، والذين استطاعوا الحصول على عناية مجانية من أحد مراكز سيما الأربعين المنتشرة في مختلف المناطق السورية.
يقول هشام “لقد عاد لي الأمل بالحياة من جديد بعد أن مررت بفترة يأس جعلتني أتخيل أنني فقدت الحركة كلياً بعد خسارتي لقدمي”. أكثر ماكان يؤرق هشام هو ألّا يستطيع دفع كلفة الحصول على طرف صناعي لاسيما وأنه يعاني من الفقر الشديد، لكنه ما إن سمع عن افتتاح مركز سيما للأطراف الصناعية في منطقة الحدود التركية حتى قصده وحصل على ما يحتاجه من طرف صناعي ومعالجة فيزيائية بشكل مجاني.
الرابطة الإغاثية الطبية للمغتربين السوريين “سيما”، تأسست منذ بداية الثورة السورية في منتصف عام 2011، واكبت العمل الطبي منذ بداية المظاهرات السلمية، وعملت على إسعاف الجرحى وعلاج المرضى عندما قام النظام السوري بقمع المظاهرات بقسوة وبشدة، وملاحقة المتظاهرين والكوادر الطبية واعتقالهم. هذا مادفع بمجموعة من الأطباء من مختلف المحافظات السورية للإجتماع وتشكيل هذه المنظمة. بحسب ما يوضح القيمون عليها.
عن منظمة سيما ونشاطاتها المختلفة والمتعددة يتحدث رئيس مجلس إدارتها في تركيا والمسؤول عن العلاقات العامة الدكتور ممتاز حيزة (50 عاماً) فيقول “منظمة سيما هي منظمة إنسانية إغاثية طبية غير حكومية، غير عسكرية، تعنى بالشأن الصحي والطبي في الداخل السوري ودول الجوار”. تم تسجيل هذه الرابطة في البداية في فرنسا ثم تركيا، انكلترا فإيطاليا، ثم في دول عربية مثل قطر وغيرها.
أما عن أهداف سيما فيوضحها الدكتور حيزة بأنها الارتقاء بالجانب الطبي إلى أعلى المستويات، وتغطية كافة المناطق السورية وذلك لعلاج المرضى وإنقاذ حياة الجرحى من الموت أو على الأقل منع تطور الإصابات إلى إعاقات دائمة أو مزمنة.
ويضيف الحيزة بأن سيما أنشأت على مدى خمس سنوات من عمر الثورة، العديد من المشاريع التخصصية وطوّرتها. ويقول “نتطلع لتقديم رعاية صحية أولية تخصصية في جميع المجالات، ذلك أنه لم يعد مجديا العمل فقط بالحقيبة الإسعافية، لهذا أنشأت المنظمة مراكز ثابتة ومشافي للأطفال والنساء وللعلاج من الأمراض المزمنة، مشافي جراحية، مراكز لبنك الدم وأخرى للأطراف الصناعية، بالإضافة لمراكز لتدريب الأطباء والأخصائيين في المجال الطبي”.
لجأ الطبيب علاء (28 عاماً) وهو أحد كوادر سيما، للتدريب في مراكزها وغدا من أمهر الأطباء والمدربين يقول “نقوم بإجراء دورات تدريبية إسعافية سريعة مثل إيقاف النزف، إجراء تنفس اصطناعي، كيفية التعامل مع الحالات الحرجة وغيرها، مدة هذه الدورات من ثلاثة أيام إلى إسبوع”. ويؤكد بأن سيما لا تمانع إستقبال زملاء من مشافي ومراكز أخرى ليست تابعة لسيما، ذلك أن هدف سيما هو إنساني إغاثي بالدرجة الأولى وليس رفع إسم سيما فقط” على حد تعبيره.
استراتيجية العمل في سيما تعتمد على أنه أينما تكون الحاجة تتواجد سيما، حيث شملت نشاطاتها مختلف المناطق السورية في ريف إدلب، حمص، ريف دمشق، ريف اللاذقية إضافة لحلب وريفها.
مسؤول الإدارة القانونية والمشتريات في الرابطة، يوسف بايدلي (39 عاماً) يقول “أكثر من ستة مراكز تخصصية نسائية متواجدة في الداخل السوري تتبع للرابطة، وهي تشمل الولادات الطبيعية والقيصرية”. ويعطي البايدلي مثالاً على هذه المراكز مركز تيرمعلة في ريف حماه، حيث تتم فيه مجموعة استشارات تزيد على 4000 استشارة شهرياً، وأكثر من 164 ولادة طبيعية، و101 ولادة قيصرية شهرياً. هذا بالإضافة لمراكز الرابطة في كل من داريا، دوما، تلبيسة، كيوان في ريف إدلب، مسرابا في ريف دمشق، وقد بلغ إجمالي خدمات هذه المراكز 75000 إستشارة ومعاينة وأكثر من 112000 ولادة طبيعية، و 427 ولادة قيصرية.
يتابع البايدلي حديثه عن مراكز سيما بأن هنالك مشافي تخصصية بالجراحات الكبرى والصغرى، على سبيل المثال مركز وسيم حسينو أجري فيه أكثر من 113 عملية جراحية كبرى، و257 جراحة صغرى شهريا، وهناك مركز داريا، تيرملة، البارودي بالغوطة، تلبيسة، مشفى أسامة أبلق في ريف اللاذقية، نصيب بريف درعا.
راغدة (30 عاماً) وضعت مولودها الرابع في مشفى كيوان بريف إدلب بعد خضوعها لعملية قيصرية، تقول “كانت العناية جيدة ليس بي فقط وإنما بطفلي، حيث قاموا بوضعه في الحاضنة لمدة يومين كونه ولد قبل أوانه”. وتشكر راغدة القائمين على المشفى والداعمين له وتضيف “ما أحوج الفقراء لمثل هذه المشافي”.
خالد الحسن (45 عاماً) أحد المستفيدين من خدمات هذه المشافي حيث أجريت له عملية استئصال قرحة، في مشفى إدلب التخصصي، وهو الآن بصحة جيدة يقول “كنت أعاني من هذا المرض على مدى أربع سنوات، ولأنني لا أملك المال الكافي للعملية كنت أقوم بتأجيلها، إلى أن سمعت عن خدمات مشفى إدلب التخصصي المجانية فقصدته وأجريتها، وأنا الآن أفضل حالا”.
من جهته سامر الأحمد (38 عاماً) يقوم بغسيل كليته بإستمرار في مركز نصيب بريف درعا التابع لسيما، ويشيد بالخدمة هناك والتي وصفها ب”الإنسانية”.
لايزال في جعبة سيما العديد من الخدمات، فمراكز الأطراف الصناعية التابعة لسيما قامت بتركيب أكثر من 1228 طرفاً صناعياً العام المنصرم بحسب البايدلي، ففي مركز حزانو بريف إدلب تم تركيب 59 طرفا صناعيا علويا وسفليا في مدة شهر واحد.
الطفل محمد إبن الخمس سنوات لم تشفع له طفولته أو يتمه، فالطائرات المغيرة وصواريخها لا تفرق بين البشر واحوالهم. فقد قدميه في قصف طال بلدته في ريف إدلب، وحصل محمد أخيراً على طرفين سفليين من مركز سيما وهو اليوم اعتاد استعمالها.
لم تقتصر مراكز سيما على الداخل السوري وإن كانت الأكثر، وإنما امتدت خدماتها إلى دول الجوار لاسيما تركيا، البلد الأكثر استقبالاً للاجئين السوريين. حيث قامت بافتتاح أربع عيادات خارجية للأمراض المزمنة وللاطفال والنساء، النشاط في هذه العيادات يتركز على تشخيص المرض وتقديم العلاج.
ثمة صعوبات كثيرة تعاني منها سيما، يجملها البايدلي بتعرض الكوادر والمشافي والمستوصفات والمراكز التابعة لها للقصف المستمر، صعوبة الوصول للجرحى، صعوبة إيصال المساعدات الفنية واللوجستية للمراكز المتواجدة في المناطق المحاصرة لاسيما الغوطتين، داريا، ريف حمص الشمالي. ويلفت البايدلي إلى أن كوادر الرابطة قدموا الكثير من التضحيات والشهيد تلو الشهيد سواء باستهداف المشافي ومنهم طبيب الأطفال الوحيد بمشفى القدس في حلب محمد وسيم معاذ، والطبيب حسن الأعرج في حماه، الطبيب البارودي في غوطة دمشقن هذا عدا عن الملاحقات الأمنية للكوادر واعتقالهم من قبل النظام.”
أما عن شراكات سيما مع المنظمات الأخرى فيتحدث عنها الدكتور ممتاز حيزة قائلا “هناك علاقات وتعاون وتنسيق تجمع سيما مع منظمات تركية كالإيهاها، آفاد، الهلال الأحمر التركي، أطباء الأرض. حيث نستلم منهم دعما دوائيا ولوجستيا وخاصة في المناطق الحدودية الشمالية. أما بالنسبة للشراكات فهي مع أصدقاء الشعب السوري مثل مكتب الأوتشا للتنسيق الإنساني، سامز، الرحمة العالمية في الكويت، الواحة الفرنسية، الإغاثة الإسلامية، صندوق الإسكان العالمي التابع للأمم المتحدة، الآي آر سي، مؤسسة لين الإغاثية بألمانيا، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهنالك شراكات مع حملات كقافلة نبض الحياة، حملة مسلمي تايلاند وغيرها، بالإجمال ثمة علاقات طيبة تجمع سيما مع المنظمات الأخرى لما لها من أثر إيجابي على الداخل السوري”. ويختتم الدكتور حيزة حديثه بالقول “نطمح أن نرتقي مستقبلا بمراكزنا التخصصية لتصبح ذات معايير دولية وعالمية، وسنحاول بأن نكون دائماً عوناً لإخواننا السوريين في تجاوز محنتهم التي طالت”.