في ريف إدلب هناك من يبحث عن اللياقة والتنحيف
تحاول راوية (32 عاماً) أن تخرج من واقع الحرب وضيق المعيشة والهموم اليومية، وذلك عبر ارتيادها مركز كفرنبل الرياضي. هناك تقوم راوية ببعض التمرينات الرياضية مع عدد من النساء المنتسبات للنادي واللواتي أصبحن صديقاتها مع مرور الوقت.
راوية واحدة من عشرات المنتسبات والمنتسبين لنادي كفرنبل الرياضي، والذي يعتبر من المراكز التي قلّ وجودها في زمن الثورة في سوريا عموماً، وريف إدلب خصوصاً، بسبب ما تشهده البلاد من أحداث دامية. نادي كفرنبل لايزال يحتفظ بمعداته وأجهزته ومتدربيه على الرغم من كل الظروف التي تواجه المنطقة.
تقول راوية “اعتدت الذهاب الى النادي منذ مدة، وأحببت ذلك لأنني وجدت فيه ملاذا آمناً. أخرج إليه كلما ضاق صدري و أردت الخروج”. أصبح لاوية صديقات هناك تتبادل معهن الأحاديث وتتقاسم معهن المعاناة من خلال التخفيف عن بعضهن أثناء قيامهن بالتمارين الرياضية.
مديرة النادي وتدعى نيرمين (28 عاماً) تقول “يعود تاريخ إنشاء نادي كفرنبل الرياضي إلى عام 2008، واستمر حتى اليوم. أغلق النادق أبوابه في بعض الفترات وذلك أثناء تواجد الجيش النظامي في مدينة كفرنبل”. وترجع نرمين سبب إغلاق ه في تلك الفترة إلى أن عناصر الجيش حينها أخذوا يترددون على النادي للقيام بتمارين رياضية وهذا ما لم يرق لنرمين مما دفعها لاغلاقه، ومن ثم إعادة فتحه من جديد بعد تحرير ريف إدلب من سيطرة النظام.
تصمت نرمين ثم تتابع بغصة “هذا النادي هو مشروع وحلم زوجي الشهيد، تم اعتقاله لمحاولة الانشقاق عن الجيش في عام 2011 ثم استشهد في سجون النظام بعد عامين من اعتقاله تحت التعذيب”. ولأنه كان يحب هذا المشروع وهو من أسسه وعمل عليه أرادت نرمين ألا يتوقف مهما كانت الأسباب.
يحتوي النادي على العديد من الأجهزة الرياضية ومنها أجهزة المعدة، السبيدر، الفراشة، الهوائي، أجهزة بناء العضلات، وأخرى لتمرين الأقدام، دراجة للتدريب وغيرها. هناك دوام نسائي يبدأ من الساعة الثانية والنصف وينتهي في الساعة الخامسة والنصف. ودوام للرجال يبدأ من الساعة السادسة وحتى الساعة العاشرة مساءً، والدوام في النادي طيلة أيام الأسبوع ماعدا يوم الجمعة.
تشرف نرمين بصفتها المالكة للنادي على دوام النساء، وتساعدهن على التدريب وتعلمهن كيفية استعمال الأجهزة، أما بالنسبة لدوام الرجال فيديره خالها الذي هو والد زوجها بمساعدة أحد المدربين لتدريب الرجال.
سماح (24 عاماً) إحدى المنتسبات للنادي تقول “من الجميل أن يكون لدينا هكذا نادي فنحن بحاجة فعلا لممارسة بعض التمرينات الرياضية لشد الجسم، وخاصة بعد الحمل والولادة حيث نقضي على الترهلات وتعود أجسامنا رشيقة ومشدودة كما في السابق”. وتعتبر سماح أن ما يشجع على الإنتساب للنادي في هذه الظروف هو قيمة الاشتراك الرمزي والذي هو عبارة عن مبلغ ألف ليرة سورية فقط طيلة الشهر.
ترتاد هبة (23 عاماً ) النادي للترفيه عن نفسها والتسلية قليلاً، وعن هذا الأمر تقول “أصبحنا بحاجة لشيء ما ينسينا ماحولنا من مآسي ودمار، ولم أجد أفضل من نادي كفرنبل الرياضي لأرتاده”. وسبب شعورها بالراحة وهي داخله يعود لكونه موجود في بناء عبارة عن قبو تحت الأرض أي أنه محمي من القصف، ومن جهة أخرى تقوم هبة ببعض التمرينات التي تساعدها على إنقاص وزنها الزائد.
يشهد النادي إقبالاً جيداً خصوصاً في فصل الصيف، حيث يمكن أن يصل عدد المنتسبين لأكثر من 80 متدرباً ومتدربة بحسب نرمين، أما بالنسبة لثمن المعدات وتجهيزات النادي الإجمالية فهي بحدود 500 ألف ليرة سورية. أما كلفة التشغيل الشهرية فهي بحدود الـ 30 ألفاً. ورغم أن مبنى النادي تعود ملكيته لنرمين وأسرتها إلّا أنها تعاني من صعوبة الحصول على أجهزة جديدة بسبب ظروف الحرب ولكن قطع التبديل للأجهزة متوفرة لكونها عبارة عن حديد وليست بقطع إلكترونية على حد وصفها.
تعبر مرح (27 عاماً) وهي إحدى اقدم المنتسبات للنادي عن سهولة استخدام الأجهزة فتقول “تعلمت كيفية استخدام الأجهزة بسرعة وسهولة وذلك بمساعدة نرمين التي قامت بالإشراف علينا، والتي حرصت على أن تكون حركاتنا صحيحة حتى نستفيد من التدريبات قدر الإمكان” وتلفت مرح إلى أنها في البداية واجهت انتقادات من مجتمعها بسبب ارتيادها للنادي، أولاً لأن هذا الأمر حكر على الرجال في منطقتها، وثانياً لأن ظروف الحرب تمنع معظم الناس من التفكير في ما من شأنه الترفيه أو الترويح عن النفس. غير أن مرح لم تعر أهمية لهذه الانتقادات وتابعت على ماهي مقتنعة به وترغب بممارسته قائلة “ارتيادي النادي ليس عيباً أو حراماً” ومع مرور الوقت ازداد عدد المنتسبات للنادي وأصبح الذهاب إليه من قبل النساء أمراً عادياً.
أما بالنسبة للشبان فأعدادهم أكبر من النساء وأوقات تدريبهم أطول، علي (20 عاماً) يقول “ارتاد النادي للحصول على جسم قوي وبالتالي الانضمام لإحدى الفصائل المقاتلة ضد نظام الأسد” أما بالنسبة لماهر (26 عاماً) فهو يرغب في الحفاظ على رشاقتهكونه لاعب كرة في منتخب كفرنبل الرياضي حيث يقول “أشعر بالراحة الجسدية والنفسية كلما قصدت النادي، فممارسة الرياضة على الأجهزة الموجودة هي هوايتي المفضلة “.
مجموعات من الفصائل المقاتلة ترتاد النادي في أوقات معينة وخارج أوقات الدوام الرسمي، وذلك للقيام ببعض التمرينات. لؤي (38 عاماً) وهو أحد قادة الفصائل يقول “لقد ساعدنا وجود النادي على تدريب المنتسبين الجدد إلى فصيلنا الثوري، حيث نأتي بهم إلى هنا لندربهم ونختبر قدراتهم الجسمية من خلال الاستمرار بالتمرين لمدة طويلة “.
أكثر من 20 ناد رياضي موزعة في إدلب وريفها، ولكنها خاصة فقط بالرجال، ويعتبر نادي كفرنبل الرياضي الوحيد الذي يضم دوام نسائي تحضره الفتيات والنساء ممن حالتهم المادية متوسطة.
تختتم نرمين حديثها بالقول “لن تمنعنا الحرب من القيام بالنشاطات التي نحبها، ومجرد وجود هذا النادي وغيره يعتبر تحدياً للأوضاع الصعبة التي نعيشها، فنحن شعب اعتاد التأقلم مع كل الظروف ويأبى إلا أن يعيش حياة طبيعية رغم كل التحديات”.