نساء بلادي يرفضن مغادرتها
صباح يوم الأحد 20 كانون الأول/ديسمبر 2015، طالعتنا وسائل الإعلام بأخبار عن مجزرة مروعة، ارتكبها العدوان الروسي في مدينتي الحبيبة إدلب. أكثر من 8 غارات استهدفت الأحياء السكنية وسط المدينة.
تحدثت الأنباء عن عشرات الشهداء وعشرات المفقودين. هذا عدا عن الجرحى. ومن بين الشهداء والجرحى والمفقودين الكثير من الأطفال والنساء. مدينة إدلب تغص بساكنيها، من اهلها ومن الريف المجاور، كونها تدخل ضمن المناطق المشمولة بوقف إطلاق النار بموجب هدنة “الزبداني- كفريا والفوعة”. التي أُقرّت بإشراف الأمم المتحدة وتشمل وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر . إلّا أن الطيران الروسي وطيران النظام خرق الهدنة مرات عديدة بقصفه للمدينة وما حولها، دون مراعاة لهذ االكم السكاني الهائل الذي يقطنها…
صور مؤلمة ومروعة أخذت تتهافت علينا عبر وسائل الإعلام. كانت فرق الدفاع المدني تنقل الشهداء والجرحى إلى المشافي الميدانية القليلة الموجودة في المدينة وماحولها. كانوا يبحثون عن ناجين تحت الأنقاض، محاولين رفع الركام من الشوارع ومداخل الأحياء.
الهدنة شجعت الناس على الرجوع إلى المدينة، كانت ورش الإصلاحات لا تهدأ. فهم قد تعبوا من التنقل والترحال هنا وهناك. كانوا سعداء بالعودة إلى بيوتهم. وما كانوا يريدون إلّا الأمان، فامتلأت المدينة بسكانها وعادت الأسواق لنشاطها وازدحامها. وها هم المجرمون يخرقون الهدنة، ويقصفون المدنيين نساء وأطفال، ويهدمون بيوتهم فوق رؤوسهم. اللهم انتقم منهم.
كنا نتابع الأخبار بألم وحسرة على مصير هؤلاء الأبرياء. رأينا فرق الدفاع المدني تلملم الأشلاء من هنا وهناك وتجمعهم في أكياس لدفنهم في قبور جماعية. أشلاء المفقودين والذين مازال أهاليهم يسألون ويبحثون عنهم … في مشهد آخر رأينا متطوعاً يحمل بين يديه رضيعا لفظ أنفاسه… كان الرضيع بين الركام تحت أنقاض المحكمة الشرعية، التي نالت النصيب الأوفر من القصف… صور الأطفال المصابين وأصوات البكائ من الألم… صور الأمهات الملتاعات وهن يبحثن بين الركام عن دليل لأحد مفقوديهم… صور الدماء التي تغطي المكان… وهذا المتطوع في الدفاع المدني إنه شهيد والدماء تغطي وجهه.
من وسائل الإعلام إلى مواقع التواصل الاجتماعي، صفحات الفايس بوك غصّت بالمآسي… أحد الأصدقاء يصف حالة أمه أثناء القصف قائلاً: “أمي كانت بعيدة عن موقع القصف نحو 25 مترا فقط. الشظايا كانت تتطاير حولها، كانت تقرأ الشهادة مسلمة أمرها لله. أمي امرأة ملتزمة، وخافت أن يراها أحد الرجال وهي ملقية في الشارع. الطيران في السماء… نزلت إلى ملجأ أحد الأبنية، سمعت صوت انفجار الصواريخ مرة بعد مرة. خافت أن تموت ولا يدري أحد بها. أخرجت هاتفها الجوال وكتبت رسالة نصية قصيرة، ودّعتنا فيها. لم ترسلها لغياب خدمة الأنترنت. ولكنها أرادت لنا أن نجد كلماتها إن أصابها مكروه. عندما أخبرتني أمي، بكا هذا بكيت، أحسست بالعجز، تمنيت الّا تنتهي الهدنة من أجل الأمهات اللواتي ينتظرن الموت عند كل خرق للتفاهم”.
هكذا كانت حالة النساء في بلدي خوف ورعب… الموت يتربص بهن أينما حللن، وهن طاهرات عفيفات لا يهبن هذه الطائرات اللعينة. يبحثن عن مكان يؤمن لهن الحشمة فقط، ورسالة وداع لأحبائهن.
صديق آخر نشر صورة طفله الذي لم يتجاوز العامين، يطلب الدعاء له بعد ان استشهدت أمه. وأصيب الطفل إصابات خطرة جداً، استأصل الأطباء طحاله وهو الآن يحتاج لرحمة ربه ودعاءنا.
كانت التنسيقية تنعي الشهداء تباعاً. وكانت فرق الدفاع المدني تتابع عملها في انتشال جثث الشهداء والجرحى. سيارات الإسعاف تقوم بنقل الحالات الخطرة إلى المعبر، لنقلهم الى المشافي التركية
هذا حالهم هناك… ورغم ذلك فالكثير من نساء بلدي يرفضن مغادرتها، يلتزمن اللباس الشرعي وهن في بيوتهن تحسبا لأي قصف غادر، يعرّي بيوتهن ويكشف سترهن. لهن الله ولهن دعواتنا في كل صلاة وكل وقت مستجاب. بحمى الرحمن وحفظه ورعايته.
بهجة معلم (22 عاماً) من مدينة إدلب، كانت تصور المظاهرات وتنشرها على اليوتيوب، وتقود المظاهرات النسائية. اعتقلت مع أخيها وأبيها ليومين. تركت دراستها في العلوم السياسية ولجأت مع أهلها إلى تركيا.
بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي