رحلة البحث عن مكان آمن
خرجت الحاجة صباح (58 عاماً) مع عائلتها، كانوا تائهين، لايعرفون أين يذهبون بعد أن أنذرتهم السلطات التابعة للنظام بضرورة إخلاء بلدتهم كفرنبودة الواقعة في ريف حماة الشمالي خلال مدة أقصاها 24 ساعة.
الحاجة صباح واحدة من آلاف النازحين الذين خرجوا مع عوائلهم هرباً من القصف والدمار. كان همهم البحث عن مكان آمن يلجؤون إليه وسط ظروف صعبة وإمكانيات مادية شبه معدومة.
تقول الحاجة صباح “أنا أم لسبعة أبناء وجدة لخمسة أحفاد. زوجي رحل عن هذه الدنيا وأحوالنا المادية تعيسة، اضطررت لمغادرة منزلي مع أبنائي في 6 تشرين أول/اكتوبر2015، بعد أن أمطر النظام بلدتي كفرنبودة بوابل من القذائف والصواريخ”. وتضيف “السفر والتنقل يحتاج للكثير من الأموال ولا نملك منه إلا القليل”. قصدت الحاجة صباح مع عائلتها قرى جبل الزاوية لقربها وعلى اعتبارها مناطق محررة. لكن العائلة لم توفق بإيجاد منزل بسبب الاكتظاظ بالسكان والنازحين، كما أن إيجار البيوت مرتفع، إضافة للقصف الذي تتعرض له قرى جبل الزاوية بشكل شبه يومي. وتردف الحاجة صباح قائلة “قصدنا قرية نقير، الواقعة في ريف إدلب الجنوبي. سمعنا عن بناء مخيم للنازحين هناك يحظى بدعم من بعض المجالس المحلية في المنطقة. وفعلاً وصلنا إلى المخيم الذي كان يحتوي بعض الخيام، كان يعج بالنازحين من مناطق ريف حماه الشمالي”. حصلت الحاجة صباح وعائلتها كغيرهم على إحدى الخيام التي آوتهم بعد يومين من التشرد والنوم في البراري. رغم سوء وضع المخيم وقلة المعونات وندرة المياه فيه، إلا أن أفراد العائلة شعروا فيه بنوع من الاستقرار والأمان.
هذا الأمان الذي لم يدم طويلاً، حيث تقول الحاجة صباح “كانت ليلتنا الأولى في المخيم، حاولت وضع جميع ما لدينا من أغطية فوق أبنائي واحفادي الصغار علهم يشعرون بالدفء، لاسيما وأن البرد كان قاس في الليل. فنحن على أبواب الشتاء، وما إن غفونا قليلا حتى اشتعلت الدنيا بالنيران التي كانت تنهال على المخيم على شكل قذائف ملتهبة دون سابق إنذار، لم نعد ندري مالذي يحدث وبدأ يضج المكان بالصراخ وبكاء الأطفال”. كل ماكان يهم الحاجة صباح في تلك اللحظات هو الاطمئنان على عائلتها، ولكن أغمي عليها دون أن تعرف مصيرهم. استيقظت الحاجة صباح وهي في المشفى، استشهد حفيدها وابنتها، وأصيب عدد من أبنائها. إضافة لعدد ممن كانوا معهم في المخيم بين جريح ومصاب وحالات حرجة. تقول الحاجة صباح أن الطيران الروسي استهدف مخيمهم ليلا بقنابل عنقودية وأسلحة لا تعرف ما هي. وتتساءل الحاجة صباح والدموع تنهال على وجهها “لهذا الحد نحن خطرون بالنسبة لهذا النظام الذي لا يعرف الرحمة، أي تهديد ممكن أن نشكل له حتى يرسل لنا الروس لقصفنا مع اطفالنا ليلاً دونما شفقة، لماذا يصرّون على طردنا من بلادنا، لماذا يدفعوننا دفعاً لنتحول للاجئين في الدول المجاورة”.
أحمد السليم ( 32عاماً) الإبن الأكبر للحاجة صباح يقول “اقترحت على أمي أن نقصد المخيمات التركية، على الأقل هي أكثر أمانا من هنا، لكنها رفضت آملة أن تنتهي المعارك قريباً ونعود إلى ديارنا”. ويشرح السليم وجهة نظر أمه، بأنها من الأمهات اللواتي لايعرفن اليأس ومؤمنات بأن كل ما يجري وسيجري هو بمشيئة آلله وحده.
أمل (23 عاماً) زوجة إبن الحاجة صباح ووالدة الطفل الشهيد رامي إبن الخمس سنوات. تقول أمل بحرقة ودموع قهر وغضب “لقد حصد هذا النظام السفاح الكثير من أبنائنا وشبابنا ورجالنا، ورغم ذلك هو لا يستطيع أن يبيد شعباً بأكمله، سيبقى هذا الشعب شوكة في حلقه وحلق حلفائه وستزهر دماء شهدائنا في النهاية نصرا جليا بإذن الله”.
أسامة الأحمد (27 عاماً) أحد المسعفين في الدفاع المدني يقول “ما إن سمعنا بقصف المخيم حتى هرعنا إليه، وكان وضع المخيم مزريا فقد احترقت خيامه وأصيب قاطنوه، عملنا على إجلاء الشهداء والمصابين والجرحى وكانت الحاجة صباح تحتضن أحفادها وهي مغمى عليها فقد أصيبت بجروح وحروق عديدة، عدا عن حالة الاختناق التي تعرضت لها نتيجة الدخان والنيران المشتعلة”. ويبدي الأحمد حزنه وألمه لـ “استهداف المدنيين والأطفال والابرياء، وهذا ما دفعني للعمل في المجال الإغاثي”.
وتختم الحاجة صباح حديثها بالقول “إنها بلادنا، ولن نتخلى عنها أو نغادرها، لن نتركها لقمة سائغة للأسد والروس والإيرانيين، إنها بلادنا وسنبقى فيها. فليست حياتنا وأرواحنا هي أغلى من أرواح الذين استشهدوا والذين سيستشهدون، نحن صامدون هنا فإما الشهادة أو النصر”.
رزان السيد (28 عاماً) تحمل اجازة جامعية من كلية التربية أم لثلاثة أولاد ، تقيم في معرة النعمان بريف ادلب حيث تعمل كمدرسة.
بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي