أزمة محروقات بين مواطن منهك وجبهات مشتعلة
تتنهد أم نزار (38 عاماً) بغصة وقهر مخاطبة زوجها: “لم تعد هذه البلاد بلادنا، لم نعد نستطيع العيش والكل يحاصرنا من كل جانب، النظام يقصفنا ببراميله، والان داعش تحاربنا بلقمة عيشنا، دعنا نترك بلدنا لهؤلاء ونرحل الى المخيمات التركية”. يرد عليها أبو نزار (45عاما) بحزم وإصرار”تحملنا الكثير قبل ذلك ولم ننزح، والآن سنحتمل رغم كل شئ ولن أفكر بالنزوح”.
حديث أبو نزار وزوجته يشبه الكثير من الحوارات التي تدور هنا نتيجة الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية التي تعيشها المناطق المحررة، وخاصة محافظة إدلب وريفها، نتيجة انقطاع كافة أنواع المحروقات عن المنطقة، بقرار من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. ما أدى لرفع أسعار كافة السلع من المحروقات إلى المياه إلى كل مستلزمات الحياة. كما أدى الأمر إلى مشكلة في ازدياد الطلب على نقليات صهاريج المياه الجوفية، وتوقف اشتراكات الكهرباء بفعل انقطاع مادة المازوت، وصولاً إلى توقف السيارات ووسائل النقل.
تقول أم نزار شاكية: “نحن فقراء، وزوجي عامل بسيط وبالكاد نؤمن ثمن الطعام واللباس والدواء لأولادنا الخمسة ، ولكن هذا الغلاء وخاصة غلاء المياه جعلنا لانعرف ماذانفعل، ومن أين نأتي بالمال، فاما أن نشتري الماء فقط واما أن نشتري الطعام، فكيف نستغني عن أحدهما”.
وعن هذا الموضوع يتحدث مصطفى القدور (30عاماً) أحد بائعي المحروقات في كفرنبل قائلا: “كنا نشتري المحروقات بأسعار مناسبة وكانت متوفرة، هناك الكثير من التجار يحضرونها من مناطق الجزيرة السورية (شمال شرق سوريا) التابعة لسيطرة تنظيم الدولة حاليا، ولكن الان هي المحروقات غير متوافرة جراء قطع تنظيم الدولة الطريق، وعدم بيعه للمناطق المحررة “.
وحول غلاء أسعار حمولة صهاريج المياه يقول محمد الفريد (40عاماً) صاحب أحد الابار الجوفية في المنطقة :”نحن مضطرون لرفع سعر حمولة الصهريج نتيجة حتمية لارتفاع سعر المازوت”. ويشرح الفريد قائلا أنهم كانوا يشترون ليتر المازوت بمبلغ يتراوح بين 90 و125 ليرة سورية، فيبيعون حمولة الصهريج بـ 350 ليرة سورية، واليوم ارتفع سعر ليتر المازوت ليصل إلى 600 ليرة سورية. وباعتبارهم يستخرجون المياه عن طريق المولدات الكهربائية التي تعمل على المازوت فمن الطبيعي أن يرتفع سعر الصهريج، حيث أصبح مالك البئر الجوفية يتقاضى عن حمولة كل صهريج 1300 ليرة سورية، يضاف إليها كلفة النقل إلى المستهلك فيصل سعرها إلى 3 آلاف ليرة سورية.
غالية الرحال (40عاما) مديرة مركز مزايا للنساء في كفرنبل عبرت هي الأخرى عن رأيها بالامر قائلة: “تحاول داعش الضغط على المناطق المحررة بلقمة عيشها، وعلى قول القائل فرق تسد. ولكن داعش تقول جوّع تسد”. وتعتقد الرحال “أن المناطق الإدلبية باعتبارها مفتوحة على تركيا، كما هي غنية بالمياه الجوفية والزراعة، هو ما جعل تنظيم الدولة يرغب بالسيطرة عليها”. وتؤكد الرحال “أن الشعب السوري سيقاتل كل شخص أو جهة تريد أن تنهي حياته أو تريد ظلمه واستعباده”.
أبو عبدو (35عاماً) أحد المقاتلين التابعين للواء فرسان الحق في كفرنبل يقول: “أن سبب المشكلة هو تنظيم الدولة الذي يسعى للسيطرة على جميع المناطق المحررة، وبالتالي السيطرة على سوريا بالكامل. لذا قرار منع دخول المحروقات هو للضغط على الثوار لتسليم مناطقهم لداعش. الدولة الإسلامية تضع الثوار أمام خيارين، إما قطع المواد النفطية عن المناطق المحررة باعتبارها المصدر الوحيد للنفط لهذه المناطق، أو الانضمام اليها. ويعتقد أبو عبدو أنه من سابع المستحيلات أن يقوم الثوار بتسليم مناطقهم لداعش مهما كانت الاسباب،لأنهم لم يحرروا مناطقهم من النظام الاسدي ليهبوها لاحتلال آخر وهو تنظيم الدولة. وعن الخطط المستقبلية يقول أبو عبدو: “هناك محادثات بين جميع الفصائل لتوحيد الصفوف وإعلان الحرب على داعش قريبا جدا”.
يقول أحمد السلوم (45عاماً)أحد أعضاء مجلس كفرنبل المحلي: “هناك منشورات تم توزيعها في مناطقنا من قبل تنظيم الدولة، تفيد
بأن التنظيم سيسمح لأي لواء أو فصيل من فصائل الجيش الحر بالتزود ومجانا بالمواد النفطية مقابل انتسابه إلى تنظيم الدولة الإسلامية”. ويضيف السلوم أن هذا الأمر حتى الان مرفوض من قبل جميع الفصائل المقاتلة .
محمد البيوش (48عاماً) أحد تجار كفرنبل يقول:”سياسة داعش منذ البداية هي التحالف مع من يحقق مصالحها وسيادتها، وهي الآن متفقة مع النظام الأسدي ضد الثوار في سوريا”. وعن خطورة الوضع يقول البيوش “أن انقطاع المحروقات لمدة طويلة ممكن أن يدهور الاوضاع أكثر من ذلك، ويجبر الأهالي على النزوح. لاسيما وأن انقطاعها سيؤدي لانقطاع أسباب الحياة، حيث بدأ من الآن شبه توقف لأفران الخبز وآبار المياه والسيارات والكهرباء”.
يعمل نهاد الحصرم (46عاماً)من قرية كفروما، في مجال نقل المازوت والبنزين من مناطق تنظيم الدولة إلى مناطق إدلب وريفها. يقول الحصرم: “لم نعد نستطيع الذهاب لشراء المحروقات من الدولة الإسلامية، وخاصة بعد قيام التنظيم بإعدام 5 أشخاص ممن
يعملون في هذا المجال، وهم من القرى المجاورة. لم نعد نأمن على أنفسنا من هذه المجازفة “. ويؤكد الحصرم “أن الناس يستهلكون ما قاموا بتخزينه سابقاً من كافة أنواع المحروقات. وما إن تنتهي هذه الكميات المخزنة حتى تحلّ الكارثة،أو يجعل الله لنا مخرجا من هذه الأزمة”.
وعن الأوضاع النفسية التي يعيشها الناس بفعل هذا الكم من الأزمات يقول عمار الحناك (37عاماً) وهو مجاز في الإرشاد النفسي:”هذه الأزمة ضاعفت من مأساة الأهالي، وأضافت إلى أعبائهم الكثيرة عبئا آخر ثقيلا. ويظهر هذا جلياً في عبوسهم وشرود أذهانهم وشعورهم بالضيق والحزن والعجز عن فعل شيء، فقد توقفت الحركة في الشوارع بشكل جزئي”. ويرى الحناك “أن هذا الوضع هو الأقسى منذ اندلاع الثورة”.
زياد الغزول (58عاماً) أحد أهالي مدينة كفرنبل يقول: “صحيح أن الوضع جائر ومتدهور وخطير، ولكن الشعب السوري أثبت على مدى 4 سنوات من الثورة، صموداً وقدرة على تحمّل الشدائد وصبراً حيّر عدوه وأفشل جميع مخططاته”.