العدل في كفرنبل بين المحاكم الشرعية ودار القضاء
تنتظر أم محمد حكم المحكمة الشرعية في كفرنبل لتعيد لها أرضها المغتصبة منذ 42 عاماً. عانت طويلا بسبب فساد المحاكم التابعة للنظام في دمشق، والتي قضت حولت ملكية أرضها التي اشترتها من المجلس البلدي إلى ملكية لأحد الأشخاص لقاء مبالغ مالية دفعت كرشوة للقضاة، كما تقول.
رئيس المحكمة الشرعية في كفرنبل الشيخ أيمن البيوش (37 عاماً) يبدأ حديثه لموقع “دماسكوس بيورو” بقوله: “المتابع للتغيرات التي تحدث في المناطق المحررة يلاحظ الفرق الواسع والشاسع بين حال القضاء قبل بدء الحراك الثوري وحاله بعد مرور أربع سنوات. الاختلاف واضح وجلي في كل المقاييس، من حيث مدة الإقرار بالحكم أو تحويل الباطل إلى حق وبالعكس”. وينبه البيوش إلى ما كان يحصل من رشاوي وفساد وبيع وشراء الذمم وشهادة الزور. ويؤكد على الأحكام التي تعيد الحقوق إلى أصحابها خلال فترة قصيرة، والقضاة الذين لا يهابون أي جهة أو طرف أو فرع أمن. ويعتقد البيوش “أن القضاء يكاد يكون أول القطاعات التي تم إصلاحها مع ضعف قوة الجهة المنفذة للأحكام”.
تشكلت المحكمة الشرعية في كفرنبل نهاية عام 2012 بعد تحرير المدينة. كان الهدف سد ثغرة عدم وجود قضاء يفصل بين الناس بعد غياب المؤسسة القضائية التابعة للنظام. وكانت المحكمة نتيجة جهد عدد من المشايخ والحقوقيين، قبل أن تدخل ضمن تجمع مجلس القضاء الشرعي في إدلب. وفي صيف 2014 انضمت المحكمة للهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة. ويعمل في المحكمة 65 موظفاً من قضاة ومدنيين وأمنيين، ويتم انتخاب رئيس المحكمة كل ستة أشهر
كان القضاة متطوعون في البداية، وبعد انضمام المحكمة للهيئة الإسلامية تم إخضاعهم لدورات في تركيا تحت إشراف المعهد العالي للقضاء السوري ومركزه مدينة أورفه التركية والذي أسسه اثنين من كبار المستشارين القانونيين في سوريا المنشقين عن قضاء النظام بالتعاون مع هيئة العلماء السوريين منذ آب/أغسطس 2013، وبحسب البيوش “تقام الدورات لمدة شهرين يتخرج منها 50 دارساً، ويعتمد المعهد القانون العربي الموحد كمرجع لدوراته لأنه يرتكز على الشريعة الإسلامية في أحكامه “.
المحكمة الشرعية تختلف عن محاكم النظام بمصادر الأحكام، وعدم الاعتماد على القوانين الوضعية. كما تختلف عن محاكم دار القضاء التابعة للتنظيمات السلفية بوجود قضاة حقوقيين إضافة لقضاة من حملة الشهادات الشرعية. مع وجود تنسيق جيد مع دار القضاء التابعة لتنظيم جبهة النصرة، من خلال دعمها لبعض حالات تنفيذ الأحكام التي تواجه المحكمة الشرعية صعوبة فيها، فيتم الاستعانة بعناصر دار القضاء عند الحاجة.
لا تقبل المحكمة النظر في الدعاوى المنتهية أي تلك التي صدرت فيها الأحكام، مع استثناء تلك التي يكون فيها فساد أو تزوير واضح، أما الدعاوى الغير منتهية فيمكن قبولها، وتنظر المحكمة في كل أشكال الدعاوى، مثل تثبيت الزواج وصولاً إلى جرائم القتل.
وفيما يتعلق بتنفيذ الأحكام يقول الشيخ أيمن البيوش: “تعتمد المحكمة في تنفيذ أحكامها على الكتيبة الأمنية ومراكز الشرطة، مع ملاحظة ضعف هذه الجهات بخلاف محاكم دار القضاء التي تملك قوة عسكرية كبيرة تحت تصرفها، إضافة إلى خوف الناس من هذه القوة بسبب بعض الأحكام الرادعة لمن لا يلتزم بتنفيذ أحكام دار القضاء”.
أما بالنسبة لتنفيذ حدود السرقة والقتل والكفر وسب الذات الإلهية أو سب الرسول أو الدين، يقول الشيخ أيمن: “العمل فيها متوقف بسبب عدم توفر شروط إقامة الحدود الشرعية، ولغياب ولي أمر المسلمين. ويلجأ القضاة لما دون الحدود من تعزير بالسجن أو الغرامة المالية وغيرها من العقوبات، ما عدا القتل العمد فإما يتم القصاص شرعاً أو يتم اللجوء للدية”.
يقول القاضي مصطفى الرحال (43 عاماً): “إن المحكمة تستقبل كافة القضايا مدنية أو جزائية أو شرعية، وتعتمد المحكمة الشريعة الإسلامية كمرجع لأحكامها، مهما كان نوع القضية وترتكز المحكمة على القانون العربي الموحد في إجراءاتها”. يلفت القاضي إلى إمكانية تحويل القضايا إلى محاكم أخرى نظراً للاختصاص المكاني لكل محكمة , أو لاستشعار الحرج من أحد القضاة كما يمكن استئناف القضايا إلى المحكمة المركزية في الهيئة الإسلامية لأنها أعلى درجة من المحاكم العادية.
ويعتبر القاضي الرحال أن الجميع تحت سقف القانون، ولا يوجد أية استثناءات أو محسوبيات مهما كان الشخص المدعى عليه ومهما كانت صفته ومهما كانت خلفية المدعي، فالتعامل واحد مع كافة الدعاوى ولا يوجد أي تفريق، وقد تم قبول دعوى اتهام بالقتل والمدعى عليه كان إحدى الجهات القضائية.
الأجور الشهرية التي يتقاضاها الموظفون بحسب رئيس المكتب المالي في المحكمة الشرعية خالد الخطيب (47 عاماً) ضعيفة ولا تكفي، ولا يصل أعلاها إلى 100 دولار أمريكي. ويطالب القائمون في الهيئة الإسلامية بزيادة هذه الأجور وزيادة دعم المحاكم الشرعية التابعة لها.
الشاب أحمد السعيد (22 عاماً) ثبّت زواجه في المحكمة الشرعية في كفرنبل، لأنه لا يريد أن يدعم النظام بأي شكل من الأشكال، ويقول السعيد: “أخشى أن الرسوم المتوجبة على معاملة تثبيت الزواج ستدعم النظام ومن الممكن أن تتحول إلى رصاصات تصيب الأبرياء “.
تقول أم محمد (82 عاماً) “لأنني سمعت بنزاهة القضاة في المحكمة الشرعية في كفرنبل قررت رفع الدعوى. آمل أن تعيد لي حقي الشرعي والقانوني بأرضي التي اغتصبت مني، وأتمنى ألا تطول مدة الدعوى وأرجو ألا تعود صورة القضاء الحالي إلى ما كانت عليه أيام النظام. لأن القضاء الفاسد واحد من أهم الأسباب التي دعت الناس للانتفاض على النظام، وأنا لا أحتاج لدفع الرشاوى ولا أعرف شراء ذمم القضاة”.