العمل الصحفي في مناطق المعارضة خوف وقلة خبرة
في اللحظة التي دخل فيها أفراد من تنظيم الدولة الإسلامية إلى مقر “راديو فريش” في مدينة كفرنبل مع بداية العام 2014، وأخذوا معداتها مع بعض العاملين فيها، كان كل ما خطر ببال صلاح العبد هو تفقد ملابسه بأيديه المرتعشة، ليتأكد من أن هويته الشخصية معه أم لا. صلاح كان يعرف جيداً أن عمله كمراسل صحفي يشكل خطراً كبيراً عليه، خاصة أنه في تلك اللحظات كان في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، لذلك كان يعتقد أنه “مقتول لامحالة” لهذا تفقد هويته ففي حال قطع رأسه يمكن التعرف عليه من هويته الشخصية.
يعاني معظم مراسلي الوكالات الإعلامية الداخلية والخارجية والصحفيين المستقلين مجموعة مشكلات ومضايقات تعيقهم عن ممارسة عملهم كما يجب. فالتيارات الإسلامية المسيطرة تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول عمل الصحفيين في مناطق نفوذها. وهناك الخشية من الخوض في الأخطاء التي ترتكبها فصائل أو عناصر من الجيش الحر التي لا تتقبل النقد.
رامي الفارس مدير “راديو فريش” التي تبث برامجها من مدينة كفرنبل (34عاماً)، يعتقد بصعوبة التعاطي مع الفصائل الإسلامية، ويقول: “عندما تقوم الفصائل الإسلامية بتحرير منطقة أو معركة ناجحة نقوم بتغطيتها بدون أي خشية، ولكن عندما تقوم هذه الفصائل باعتقال أحد الأشخاص أو القيام بمداهمات لمنازل المدنيين أو فرض قرارات جديدة، نكون حذرين جداً في تغطية هذه الأحداث خوفاً من رد فعلها السلبي”.
بعد مداهمتها “راديو فريش” ومصادرة معداتها، بدعوى أنها “تنشر الكفر” أطلقت العاملين فيها بعد اعتقالهم لعدة ساعات.
وبعد أن فرضت جبهة النصرة السيطرة على معظم أجزاء ريف إدلب الجنوبي في كانون الاول/ديسمبر 2014 بعد الاشتباكات التي خاضتها مع جبهة ثوار سوريا التابعة للجيش الحر في جبل الزاوية، تعرضت راديو فريش لاقتحام الجبهة بدعوى أنها تقوم بطباعة جريدة “سوريتنا” التي تضامنت مع ” حادثة شارلي أبدو الفرنسية”، ليتبين بعدها أنه بلاغ كاذب، وجريدة “سوريتنا” تطبع في تركيا وتوزع بالداخل.
لا يشتكي العاملون في الصحافة من الفصائل الإسلامية فحسب، وإنما يتعدى ذلك إلى فصائل الجيش الحر والتشكيلات الثورية، حيث يقول مراسل جريدة القدس العربي عبادة الأنصاري (28عاماً) الذي يعمل في ريف إدلب الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة: “عندما يسيطر فصيل معين من الجيش الحر على منطقة تريد أن تغطيها صحفياً، عليك أخذ الإذن من القائد العسكري قبل القيام بأي مقابلة، وفي أغلب الأحيان عندما تكون القضية التي تغطيها، هزيمة لهذا الفصيل، أو قيامه بحملة اعتقالات، يقابل طلبك بالرفض القاطع، وإن حاولت تجاوز الإذن، فأنت معرض للاعتقال أو “التطبين”( مصطلح يطلق على اعتقال الأشخاص في باكاج السيارة الخلفي)”. ويضيف الأنصاري هم “يريدون منا أن نعمل كما يريدون، أي أن نغير من سياسة العمل الصحافي مع كل ظهور أو انحسار لفصيل جديد، أي أن نكون مرتبطين بشكل غير مباشر معهم”. كما يتفق في الرأي مع الأنصاري الصحفي أحمد كنجو (27 عاما ) حيث يقول: “نواجه صعوبة في الحصول على بعض المعلومات خاصة العسكرية في حال كانت مواقفهم لا تتوافق مع توجهات الفصائل العسكرية”.
مراسل قناة أورينت الفضائية في ريف إدلب محمد الفيصل (28 عاماً ) لا يتفق مع الطرفين السابقين في تخوفهما ويقول: “جميع الأطراف المسيطرة في ريف إدلب متعاونة معنا بشكل جيد، إن كانت تيارات إسلامية أو من فصائل الجيش الحر”، ويضيف الفيصل “مع هذا دوما لدي شعور بأني مستهدف بحكم طبيعة عملي بالإعلام”.
بالإضافة إلى هذا وذاك يعاني المراسلون من صعوبات جمة في الحصول على مقابلات للكتابة عن مواضيع إنسانية تتعلق بعمل الجمعيات والمؤسسات المدنية العاملة في المناطق التي تخضع لسلطة المعارضة المسلحة. ويقول مراسل راديو فريش عمار المحمود (25 عاماً): “غالباً ما نتعرض لرفض هذه الجمعيات والمؤسسات إجراء مقابلات معنا، ولكن بطريقة ليست مباشرة، حيث يتعللون بعدم رغبتهم بالحديث عن الموضوع أو بانشغالهم بشيء آخر”.
ويواجه المراسلون عدم رغبة الأهالي بالحديث إلى الصحفيين المحليين. فقد سادت في الآونة الأخيرة فكرة أن المراسلين يستغلون مقابلاتهم للحصول على الدولارات أو الأموال على حساب مقابلاتهم. كما أن الكثيرين ما زالوا يتقاضون رواتب من وظائف تابعة للنظام في دمشق، ولا يرغبون بالحديث إلى الصحافة خوفاً من أن تظهر هوياتهم في الإعلام مما يؤدي إلى فصلهم من وظائفهم. مراسل راديو فريش محمد الباسم (25 عاماً ) يقول: “أتعرض كثيرا للانتقاد من قبل المدنيين عندما أحاول إجراء مقابلات معهم، والكثير منهم يتهمني بجني الأموال على حسابهم، ولم استطع حتى الآن إجراء أي مقابلة مع أولئك الذين مازالوا مرتبطين بوظائفهم مع الحكومة السورية”.
يلقي محمد الفيصل باللوم على الحكومة في دمشق حيث يقول: “النظام عبر أربعين سنة جعل الشعب مهمش إعلامياً، لهذا لا يدرك المدنيون أهمية الإعلام في أيصال قضيتهم ومعاناتهم، لذلك أكثر الأحيان يقول لك المدنيون: ما الفائدة من تصويرك”.
إضافة إلى الصعوبات السابقة تكمن مسألة غاية في الأهمية وهي كون أغلب العاملين في الصحافة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، من الهواة. فهم ليسوا من خريجي كليات الإعلام، بل من كليات أخرى ككلية الآداب أو كلية التاريخ، أو الفلسفة. ومنهم من لا يملك سوى الشهادة الثانوية، وجل خبرتهم في الإعلام لا تتعدى دورة إعلامية لا تتجاوز الخمسة أيام. عن هذا الواقع يقول مراسل جريدة القدس عبادة الأنصاري: “مهنتي الأساسية ليست الصحافة فأنا خريج كلية هندسة زراعية، ولكن انخرطت في العمل الصحفي من أجل إيصال رسالة الثورة إلى العالم، وما أعرفه عن الصحافة هو عبارة عن دورة تدريبية في العمل الصحفي خضعت لها في تركيا”.
وتعاني بعض المجلات أيضاً كمجلة “المنطرة” التي تصدر من كفرنبل من قلة الدعم المادي، الأمر الذي يجعلها تتوقف لأشهر بسبب عدم توفر الإمكانات لطباعتها، كما حاول بعض الناشطين إصدار مجلات خاصة بهم كمجلة “سوا” في بلدة كنصفرة بجبل الزاوية في ريف إدلب لكنها توقفت بعد أشهر بسبب ضعف الإمكانات.
لم يعد صلاح العبد يخشى على عمله بالصحافة من تنظيم الدولة الإسلامية، الذي لم يعد يسيطر في منطقة عمله، بل أصبح يخشى على نفسه من جهات إسلامية أخرى سيطرت على المنطقة وهي تنكر عليه العمل الصحافي. ومازال عبادة يعاني من التغيير السريع للفصائل التي تسيطر على منطقته، وموازنة عمله مع الفكر المختلف لكل فصيل يسيطر على المنطقة.