ناشطون يسعون لإنعاش صناعة الفسيفساء في كفرنبل
تحاول منظمة محلية تشغيل حرفيّين من الرجال والنساء وتسهيل تصدير اللوحات.
[new_royalslider id="50"]
هزاع عدنان الهزاع
(كفرنبل، سوريا) – في كفرنبل الواقعة شمال غربي سوريا، تكاد تموت مهنة صناعة الفسيفساء، بعد أن كانت تجلب لهذه المدينة ما يقارب مليوني دولار سنوياً. قبل اندلاع الثورة في العام 2011، كان 700 شخص يحترفون هذه المهنة في المدينة التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة (لواء “فرسان الحق” التابع لـ”الجيش الحر”)، والبالغ تعداد سكانها نحو ثلاثين ألفاً. حالياً، بات معظمهم يبحث عن عمل.
منظمة “إتحاد المكاتب الثورية” الناشطة في كفرنبل تنموياً وثقافياً، تسعى منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 لإنعاش هذه المهنة، من خلال صناعة عشرات اللوحات والبحث عن أسواق لها في تركيا والغرب. معظم هذه اللوحات تعبّر عن تطلعات السوريين الذين انتفضوا ضد النظام ومستوحاة من اللافتات الشهيرة التي يرفعها ناشطو المدينة.
تهدف المنظمة من مشروعها هذا لمحاربة الفقر والبطالة، اللذين يعتبرهما عضو مجلس إدارة المنظمة معن كليدو (39 عاماً) عائقين أمام تقدم الثورة، قائلاً: “إذا أردنا الانتصار على بشار الأسد فعلينا أن نحارب الفقر والبطالة، لأنهما يُدخلان اليأس إلى نفوس أنصار الثورة”.
احترف كليدو صناعة الفسيفساء منذ دخولها إلى كفرنبل في العام 2000. وهو يملك مشغلاً كان يعمل فيه قبل الثورة نحو خمسين عاملاً برواتب تتفاوت حسب المهارة بين 200 و400 دولار شهرياً للعامل الواحد، ولكن المشغل مغلق الآن، مثله مثل المشاغل السبعة الأخرى في كفرنبل.
لا يحصر كليدو هدف منظمته من المشروع في محاربة الفقر والبطالة، وإنما يضيف إلى ذلك “الترويج للثورة السورية” عبر إيصال رسائل للعالم تفيد بأن “الشعب السوري الثائر المحب للحياة هو من يصنع هذه اللوحات”.
كانت بيروت البعيدة عن كفرنبل نحو 400 كيلومتر تستقبل أكثر من ثلثي إنتاج المدينة من لوحات الفسيفساء، حيث يطلبها تجار جملة وزبائن من جنسيات مختلفة بهدف تزيين الأماكن العامة مثل المساجد والكنائس والمطاعم، بينما والباقي كان يباع في الداخل أو يرسل إلى العالم عبر مطار حلب البعيد عن كفرنبل نحو 100 كيلومتر.
ينظر كليدو إلى سيطرة النظام على المطارات، والحدود اللبنانية-السورية، وكثير من طرق المواصلات، على أنها “السبب الأهم لتراجع المهنة في كفرنبل”، معللاً بأن هذه السيطرة “تجعل من وصول اللوحات إلى الأسواق العالمية شبه مستحيل، لأن النظام يضيّق على أبناء المناطق المحررة، ويعتقل الكثير منهم بمجرد الانتماء إلى هذه المناطق”. ويعتقد كليدو أن هناك سبباً آخر مهماً هو الارتفاع “الجنوني” في أسعار المواد الأولية وصعوبة الحصول عليها في ظل الحرب.
من أهم هذه المواد الألواح والكتل الملونة، الحجرية والزجاجية، الطبيعية والصناعية، القادمة من شتى بلدان العالم، والتي تُقطّع إلى مكعبات صغيرة لا يتجاوز طولها وعرضها وارتفاعها السنتيمتر الواحد.
يقول كليدو: “توقفنا عن إكمال بعض اللوحات، بسبب الحاجة إلى حجارة صناعية إيطالية ذات ألوان فاقعة، كالأحمر”.
ومن المواد الأولية أيضاً المواد اللاصقة والنايلون والقماش والورق.
لدى كليدو أمل كبير بأن اسطنبول ستكون جسراً لعبور فسيفساء كفرنبل للعالم من جديد، وهو ما دفعه لإقناع منظمته، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، بالتعاقد كبداية مع خمسة من محترفي الفسيفساء، للعمل في مشغل خاص بالمنظمة لثماني ساعات في اليوم، ما عدا يوم الجمعة الذي يعتبر عطلة، وبأجرة تقدر بنحو 250 دولار للعامل الواحد شهرياً. ثم تعاقدت المنظمة في شهر أيار/ مايو 2014 مع خمس نسوة فقدن أزواجهنّ في الحرب، ليصنعن الفسيفساء في منازلهنّ، بما يعادل ما يقوم به الرجال، وبالأجر نفسه تقريباً.
كليدو مؤمن بأن منظمته ستتعاقد في الأشهر القادمة مع كثير من العمال من الجنسين، لأنه مؤمن بأن ما ينتجونه “سيبهر العالم”.
لفت كليدو إلى أنهم تمكنوا كتجربة، وبأسعار ممتازة، في الأيام الأولى من العام 2014، من بيع اللوحات “الثورية” الخمس، التي حملها رئيـس منظمة “اتحاد المكاتب الثورية” رائد الفارس (44 عاماً) معه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في رحلته التي حملت عنوان “قصة أمل”، والتي أراد الفارس من خلالها أن يقول للشعب الأميركي: “الشعب السوري المنكوب المتطلع للحرية يشعر بتخاذل شعوب وحكومات العالم”.
زار الفارس 18 ولاية أميركية، وأطلع مئات الأميركيين على اللوحات الخمس، ثم باع اللوحة الواحدة بـ 2500 دولار، أي بنحو عشرة أضعاف تكلفتها. وهو يتطلع خلال الأسابيع والشهور القادمة إلى إرسال مئات اللوحات إلى أميركا، لبيعها هناك من خلال معارض سيشرف عليها أشخاص من الجالية السورية.
بالإضافة إلى الربح الذي ستجنيه كفرنبل، يريد الفارس عبر هذه اللوحات أن يقول للعالم: “ثورتنا انتفاضة شعبية ضد حاكم مستبد مجرم، وليست حرباً بين قوات حكومية ومتطرفين إسلاميين”.
منظمة “اتحاد المكاتب الثورية” التي لم تبع حتى الآن سوى تلك اللوحات الخمس، استأجرت منذ شهر شباط/ فبراير 2014 قبواً وسط كفرنبل، مساحته أربعون متراً مربعاً تقريباً، وأسست فيه أول مشغل فسيفساء خاص بها. من هذا المشغل الذي تملؤه رائحة المواد اللاصقة، أبدى محمد التعتاع (28 عاماً)، سعادته بالعودة للعمل، بعد نحو سنة ونصف من البطالة، قائلاً: “نريد أن نعمل… نريد أن نعيش… ولسنا خائفين من طائرات النظام”.
في غرفة تابعة للمشغل توجد 37 لوحة مكتملة، مساحة أغلبها تتراوح حول ربع المتر المربع. في إحدى هذه اللوحات تشرق الشمس على أربعة أشخاص سوريين من أعراق وأديان مختلفة، ليشكل ظِلُّ كل واحد منهم جزءاً من علم “الثورة” بألوانه الأخضر، والأبيض، والأسود، بالإضافة إلى النجمات الحمراء الثلاث. يقف معن كليدو بجانب هذه اللوحة، ثم يشير بإصبعه للمكعبات ذات اللون الأخضر قائلاً: “هذه مستوردة من الهند”. ينقل إصبعه من لون إلى لون متابعاً: “الحمراء والبيضاء من إيطاليا، والزرقاء من البرازيل وإيطاليا، والسوداء من جنوبي سوريا، والبنية والصفراء من شمالي سوريا”. يلتقط أنفاسه ثم يرتفع صوته: “البلورية الشفافة من إيران، وذات اللون البيجي من غربي سوريا… من القرداحة”، مسقط رأس الرئيس بشار الأسد.