سكان دير الزور يعانون من نقص الخدمات الصحية
تقتصر المراكز الصحية في الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة على ثلاثة مشافٍ ميدانية وصيدلية تعمل تحت القصف.
غيث الأحمد
(دير الزور، سوريا) – يقع مشفى “فارمكس” في دير الزور في أقبية مبنى سكني من ثلاثة طوابق، ويحيطه من كل الجوانب بقايا عمارات غير مسكونة، وقد تضرر هذا الحي الواقع في وسط المدينة من القصف من قبل القوات الموالية للرئيس بشار الأسد. أنشأت “الهيئة الطبية في دير الزور” هذا المشفى قبل حوالي سنة ونصف وتشرف عليه، وهي تضم من العاملين في القطاع الصحي المعارضين للنظام، تنظم الخدمات الطبية الأساسية في دير الزور، كما تشرف على “الهيئة الطبية” لجنة أخرى هي “المكتب الطبي الموحد لمدينة دير الزور”.
تسيطر كتائب المعارضة المسلحة على القسم الأكبر من المدينة، وهي تتبع “الجيش الحر” و”جبهة النصرة” و”الجبهة الإسلامية”، بالإضافة إلى كتائب مستقلة، وتسيطر قوات النظام على القسم الآخر. وبينما كان عدد سكان المدينة يبلغ نحو 800 ألف نسمة قبل بدء المواجهات المسلحة، نزح خلال السنتين الماضيتين أكثر من نصف السكان من السكان، ونزح معهم أيضاً القسم الأكبر من الأطباء ولم يبق منهم سوى 10، بالإضافة إلى ما يقارب 60 ممرض ومسعف في ثلاثة مشافٍ ميدانية، حسب ناشطين من المدينة.
تأسست هذه المشافي بعد تعرض المشافي الحكومية والخاصة في الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة للقصف، وهي الجهة الوحيدة التي تهتم بصحة السكان في هذه المناطق، حيث لا توجد أي عيادات أو مستوصفات.
الدكتور مهند زهير أحد الأطباء الذي ترك مدينة دير الزور منذ فترة وجيزة إلى مدينة أورفا التركية، رغبة منه في إكمال اختصاصه، عمل في مشفى “فارمكس”. يقول عن تجربته: “كنت أعيش داخل المشفى بسبب الحالات الإسعافية المتكررة، حيث تأتي عشرات الإصابات (من المسلحين) يومياً من خطوط الاشتباك أو إصابات المدنيين جراء القصف العشوائي للمدينة”. ويتابع زهير قائلاً: “لا يوجد وقت للراحة أو برنامج مناوبات بين الأطباء، فنحن معرضون في أي وقت لاستقبال الإصابات بالإضافة إلى متابعة حالة المصابين وتبديل الضمادات، كما كنا نقوم أيضاً بزيارة لدار العجزة المتواجد داخل المدينة ومتابعة وضع النازلين فيه والاستماع لشكاويهم الطبية”.
ويعتبر مشفى “فارمكس” أكبر مشفى ميداني في المدينة حيث تتوفر فيه أربع غرف للعمليات بالإضافة إلى قاعة إسعاف للفحص الأولي مجهزة بمخبر صغير، كما توجد غرفة منامة واحدة للمرضى. ويحرص الأطباء على خروج المريض بعد استقرار حالته من العمل الجراحي مباشرة بسبب القصف الدائم الذي يتعرض له المشفى.
وفي حي الشيخ ياسين وسط المدينة يقع مشفى آخر يعرف باسم الحي، وأسسه مهدي السلامة أحد أطباء دير الزور من خلال جمع الدعم من الهيئات والمنظمات الطبية العربية والدولية. ويتألف هذا المشفى من غرفة عمليات واحدة للجراحة الاسعافية فقط، وغرفة إسعاف صغيرة تحتوي على ثلاثة أسرة، ومخبر صغير للتحاليل الطبية. أما المشفى الثالث، فهو يمتاز باستقباله الحالات المرضية للأطفال بكافة أنواعها، ويقع في حي الحميدية وأسسه الدكتور مصطفى السلامة من خلال دعم تقدمه منظمة “سيما” وهي رابطة الأطباء السوريين المغتربين ومقرها السعودية.
ويعاني سكان المدينة من نقص في الأدوية لا سيما أدوية الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري. وتوجد صيدلية واحدة تدعى “الصيدلية المجانية” توزع الأدوية من دون مقابل على المرضى المدنيين والعسكريين المتواجدين في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، وهي تحت إشراف “المكتب الطبي الموحد لمدينة دير الزور”. وتعتمد الصيدلية في حصولها على الأدوية والمستلزمات الطبية على تبرعات منظمات غير حكومية عربية وأجنبية.
أبو علي أحد المصابين بمرض الضغط والسكري يعتمد في تغطية حاجته من الدواء على معارفه القادمين من تركيا. ويقول أبو علي: “منذ فترة طويلة وأنا مواظب على أخذ دواء الضغط والسكر في مواعيد محددة، ولكن الآن تمر عدة أيام دون أن أستطيع الحصول على إحداها، وهذا ما سبب لي إرهاق شديد في الفترة الأخيرة”.
أما اللقاحات في المدينة فهي نادرة الوجود في الفترة السابقة ولكن بعد ظهور مرض شلل الأطفال في ريف المدينة القريب في صيف 2013 ، أصبحت هناك مخاوف من انتقال المرض إلى داخل المدينة. لذلك عمد أطباء من المدينة على ادخال لقاحات بالتنسيق مع عدد من المنظمات، منها “يونسيف”.
وسجل انتشار أمراض معدية مثل التهاب الكبد (أ) واللشمانيا في المدينة وذلك بسبب تدهور الخدمات وتجمع النفايات وضرب شبكات الصرف الصحي وتلوث مياه الشرب. ولا توجد حالياً أرقام مؤكدة عن عدد المصابين باللشمانيا والتهاب الكبد (أ).
ورغم النشاط الذي يقوم به “المكتب الطبي الموحد”، إلا أن النقص الكبير في الكادر الطبي واستمرار المعارك وصعوبة وصول المساعدات إلى المدينة يؤدي إلى تفاقم الواقع الطبي في دير الزور. لذلك يقوم بعض الناشطين بشكل فردي بجلب الأدوية وتوزيعها على المدنيين المحتاجين. أبو سعيد مثلا أخذ على عاتقه التواصل مع منظمات طبية تركية للحصول على بعض الأدوية الضرورية. ويقول أبو سعيد إن المكتب الطبي ومبادارات فردية لن تحل المشكلة ويتابع قائلاً إنه لابد من إيجاد هيئات طبية كبيرة في المدينة لديها القدرة على العمل مع جميع المرضى في دير الزور. أما الطبيب مهند زهير فيرى أن من الملح جداً إدخال مساعدات طبية تضم جميع المستلزمات من أدوية وأجهزة وكادر طبي لتخفيف معاناة السكان.