“لا إكراه في الدين”: احتفالات بعيد الثورة تلقى بعض الاعتراض
هزاع عدنان الهزاع
(كفرنبل، سوريا)- ابن مدينة كفرنبل حسن الأحمد (27 عاماً) طالب في كلية الاقتصاد في جامعة حلب، توقف عن الدراسة والتحق بالثورة منذ أسبوعها الثاني، ليصبح خلال أسابيع أحد “بلابل” الثورة من خلال عمله الإعلامي، بالإضافة إلى أنه مدير لحملة “عيش” المختصة بالرسم والكتابة على الجدران.
في مظاهرة كفرنبل التي جرت بتاريخ 15 آذار/ مارس 2014، احتفالاً بمرور ثلاث سنوات على الثورة، أنشد الأحمد الشعارات الأولى للثورة، مثل “الله، سورية، حرية، وبس”، و”الشعب السوري واحد”، ورددها معه الحشد الذي لم يتجاوز مئة شخص، ربعهم على الأقل ناشطون من خارج كفرنبل، البالغ عدد سكانها نحو ثلاثين ألفاً والتي تسيطر عليها المعارضة.
يقول الأحمد: “هتفنا بتلك الشعارات، إيماناً منا بأن أهداف الثورة، المتمثلة بالحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية، هي خط أحمر. ويجب على المستبدين من أي لون كانوا أن يدركوا ذلك”.
بالإضافة إلى تلك الهتافات، علق الناشطون على جدران كفرنبل، ورفعوا خلال المظاهرة، عشرات اللافتات المكتوب عليها “لا إكراه في الدين”. وهي عبارة مستمدة من القرآن الكريم، إلا أن تبني هذه العبارة، بالإضافة إلى أشكال أخرى من التعبير، لم تلقَ الترحيب من الجميع في كفرنبل.
اختيار الناشطين لعبارة من القرآن الكريم هو جزء من معركة فكرية مع التطرف الإسلامي من أي فصيل كان، بحسب مدير “مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية” عامر مطر، ابن محافظة الرقة، الذي يقول: “نريد أن نواجه الفكر بفكر”. ويضيف: “سنرد عليهم من القرآن الكريم وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام”. مطر يعتقد أن مواجهة الفكر بالفكر أقوى من مواجهة الفكر بالسلاح، وهو واثق من النصر في هذه المعركة، لأنه مؤمن بأن الإسلام قائم على حرية العقيدة والعبادة والتسامح الديني، وغني بالنصوص التي تؤكد ذلك، كالنص القرآني الذي يقول: “اُدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”.
يروق هذا الرأي لحسن الأحمد، صاحب التجربة الشخصية مع التطرف الإسلامي، حيث لاحقته مخابرات تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) أثناء سيطرتها على كفرنبل في الأسبوع الأخير من العام 2013، فأجبر على التخفي بسبب نشاطه المدني والإعلامي ورسوماته المطالبة بالحرية على الجدران. الأحمد يعتقد أن التطرف الإسلامي في كفرنبل ما زال موجوداً، وإن تراجع حضوره بعد خروج “داعش” من كفرنبل في الأيام الأولى من العام 2014. يقول الأحمد: “كلما كتبنا على الجدران عبارة تطالب بالحرية، كعبارة “حرية وبس”، نراها ممسوحة في اليوم التالي ومكتوب عليها: نريد خلافة إسلامية، أو تسقط العلمانية، أو لا للدولة المدنية”.
وبالرغم من أن عبارة “لا إكراه في الدين” مستمدة من القرآن الكريم، فإن الشيخ المقرب من “الجبهة الإسلامية” عبدالله السعدى (40 عاماً) يتحفظ على “التوظيف غير الدقيق للآية”، حسب قوله. السعدى يفسر تلك العبارة بأنه “لا يمكن للمسلمين أن يجبروا أتباع الديانات الأخرى أو الملحدين على اعتناق الإسلام، أما المسلمون فعليهم الالتزام بتعاليم الإسلام، ويمكن إجبارهم على ذلك في بعض الحالات، كإجبار النساء على ارتداء الحجاب”.
مظاهرة كفرنبل هي جزء من “احتفالية الشارع” التي جرت في الذكرى الأولى للثورة في ريف دمشق، وفي الذكرى الثانية في ريف حلب والرقة، وأراد لها الناشطون أن تكون هذا العام في محافظة إدلب، شبه الخالية من النظام ومن “داعش”. هذه الاحتفالية شملت بالإضافة للمظاهرة أنشطة متنوعة على مدى خمسة أيام، من 14 إلى 18 آذار/ مارس 2014، أبرزها رسومات على الجدران وعروض مسرحية في أماكن مختلفة من محافظة إدلب، وحملة تشجير في معرة مصرين، ومعرض لمخلفات الحرب في سراقب.
وتم اختيار كفرنبل مكاناً للمظاهرة “لأنها بوصلة الثورة السورية”، بحسب معد الأفلام الوثائقية عبدالله حكواتي، ابن مدينة حلب، و”لأنها لسان الثورة السورية للعالم”، بحسب عامر مطر.
حكواتي ومطر فسرا عبارتيهما باستمرار المظاهرات في كفرنبل دون انقطاع، ودون التحيز لأي تيار سياسي أو فصيل عسكري، وبتميز هذه المدينة بالرسومات واللافتات التي تخاطب شعوب العالم. إحدى هذه اللافتات تلك التي كتبت باللغة الانكليزية بمناسبة تفجيري مدينة بوسطن الأمريكية بتاريخ 15 نيسان/ أبريل 2013، والتي قتل فيها ثلاثة أشخاص. تقول اللافتة: “تفجيرات بوسطن تمثل مشهداً مؤسفاً لما يحدث في سوريا يومياً. تقبلوا تعازينا”.
بائع الخضار قاسم القاسم (45 عاماً) يتهم الناشطين بأنهم “تجار دم، يأتون إلى كفرنبل من أجل أن يصوروا ويقبضوا، على حساب الشعب المنكوب”.
يرد على ذلك عامر مطر بأن الناشطين يمولون الاحتفالية من حسابهم الخاص، ولا يجنون من ذلك أي ربح. مطر أوضح أن مؤسسته (مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية) غير ربحية، هدفها نقل الحقيقة للعالم، ومساعدة النازحين والمنكوبين.
تؤكد ذلك الفنانة التشكيلية، القادمة من ألمانيا، هبة الأنصاري، ابنة دير الزور، والتي تعمل ايضاً في هذه المؤسسة. الأنصاري اختارت منزلاً مهجوراً مجاوراً لساحة المظاهرة، قصفته طائرة حكومية في 28 آب/ أغسطس 2012، وقتلت فيه وحوله 32 شخصاً بينهم نساء وأطفال، لتعرض فيه عملها الذي يحمل عنوان “برزخ”، بالتزامن مع المظاهرة، حيث قامت بشراء 38 من قوائم الخراف من السوق، وعلقت كل زوج منها بثوب طفل، ثم علقت الثياب على خمسة حبال داخل المنزل وهو تقريباً مسوًى بالأرض. أثار ذلك حفيظة الشيخ عبدالله السعدى كذلك، بعد أن شكا له أحد أقرباء القتلى. السعدى قال: “هذا لا يجوز أخلاقياً، وفيه أذى لمشاعر أقرباء القتلى”.
تتفق الأنصاري مع الشيخ عبدالله السعدى بهذا الخصوص، ولكنها صممت على التعبير بهذه الطريقة، لأنها تحب أن تقول للعالم: “بشار الأسد يذبحنا كالخراف. امتزاج أشلائنا بركام بيوتنا بات شيئاً اعتيادياً”. الأنصاري لفتت إلى أن عملها “مستوحى من واقعنا المؤلم، وليس من الوثنية”، كما ظن البعض.
عبرت طائرة حربية سماء كفرنبل قبل المظاهرة بدقائق، مما دفع البعض إلى القول إنّ ذلك منع عشرات الأشخاص من الانضمام للمظاهرة، لأن طائرات القوات الحكومية قصفت ساحة المظاهرة أربع مرات، منذ سيطرة المعارضة المسلحة على كفرنبل في العاشر من آب/ أغسطس 2012. لكن عضو منظمة “اتحاد المكاتب الثورية” الناشطة إغاثياً في كفرنبل، أحمد العيسى (39 عاماً) يرى أن السبب الرئيس لقلة عدد المتظاهرين هو عدم جدوى المظاهرة في هذه الأيام. “لم يعد للمظاهرة أي طعم! وحده العمل المسلح يجدي”.
لكن حسن الأحمد ما زال مؤمناً بأن للمظاهرات دوراً أساسياً، “لأنها تعبر عن استمرار حالة الغضب الشعبي ضد الظلم والاستبداد”. الأحمد يعتقد أن استعمال السلاح من قبل المعارضة “كان لحماية الثورة السلمية أساساً”.
غاب عن المظاهرة رئيس المكتب الإعلامي في كفرنبل رائد الفارس، صاحب لافتة تفجيرات بوسطن ولافتات كثيرة أخرى. الفارس ما زال يستكمل علاج ذراعه الأيمن خارج سوريا، بعد أن أصيب برصاصتين لمجهولين حاولا اغتياله أثناء عودته ليلاً من مكتبه إلى بيته، بتاريخ 29 كانون الثاني/ يناير 2014.
الطائرة نفسها، أو طائرة أخرى، عبرت سماء كفرنبل أثناء المظاهرة، وتفرق المتظاهرون، بعد أن علت أصوات تقول: “سيقصفون الساحة”ً.