الإعلام الموالي في سوريا: الخاص بلغة الرسمي
رهيف غانم*
(دمشق، سوريا) – أطلت مذيعة «الإخبارية» الرسمية في أحد أيام الجمعة من شهر نيسان/ أبريل 2011 على المشاهدين لتقول: «فعلاً يلي استحوا ماتوا. الناس خرجت تشكر الله على المطر في حيّ الميدان، فتحوّل الخبر إلى خروج مظاهرات حاشدة». هذا التقرير أعقبه توضيحات تؤكد دور سقوط المطر في إحدى المسيرات. واعتبرت الإخبارية السورية أن ما يحصل هو تلاعب وتضليل إعلامي خارجي. بهذه العقلية تعاطى الإعلام المحلي المؤيد للنظام السوري في دمشق مع الحراك الشعبي في البلاد، وكأن كل ما يحدث «مؤامرة خارجية»، فليس هناك حراك سلمي ولا انتفاضة شعب مظلوم.
منذ بداية الثورة استحدثت وسائل إعلام جديدة، منها خاص ومنها عام، مثل قنوات “تلاقي”، و”أوغاريت” و”نور الشام” الدينية وإذاعة “سوريانا” و”الكرمة” في محافظة السويداء. وتأتي هذه الخطوة تحت عنوان التصدي لـ”التضليل الإعلامي العربي والغربي”. ويبقى السؤال هل نجحت هذه الوسائل فعلاً في حجز قاعدةٍ شعبية، وهل تمكنت من خلال مضمونها من الإتيان برسالة مختلفة عن سابقاتها في الإعلام السوري الحكومي؟
“إعلام تجميل وترقيع يفتقر لمقومات الجذب والإبداع”، هكذا وصفه محمد، الشاب الثلاثيني من معضمية الشام بريف دمشق. محمد هجر مع عائلته منزلهم هرباً من القصف، واستأجروا غرفة صغيرة في قلب العاصمة. كلام محمد يردده الكثيرون، في ظل سيطرة أركان النظام على جميع خيوط الإعلام ضمن المناطق التي تخضع للسيطرة الحكومية في سوريا، ومحاولته الإيحاء بإحداث تطويرٍ وتحديثٍ من خلال خلق محطات إعلامية جديدة.
عامر (37 عاماً) أحد مناصري النظام ويعمل كمخرج اذاعي في إحدى الاذاعات الفنية الخاصة يقول “إن الإعلام السوري الجديد سعى للخروج عن نمط الإعلام الرسمي التقليدي قدر المستطاع، إلا أنه لم يتمكن من ذلك ربما بسبب تخبطه وتسرعه في مجابهة الاعلام الخارجي، فعلى سبيل المثال قناة الإخبارية تعمل بجهد كبير من قبل كادرها إلا أنها لم تصل بعد إلى المستوى الذي يرضي الجمهور، وكذلك الأمر في ما يتعلق بقناة تلاقي وغيرها”. ويضيف “على الرغم من إيماني بأن الإعلام السوري الجديد سيلعب دوراً هاماً في مقاومة الحرب الخارجية، التي تقودها عشرات القنوات العربية والغربية ضد سوريا، إلا ان هناك بعض المشكلات مازالت قائمة في هذا الإعلام …”.
إلا أن سليم (35 عاماً) وهو أحد العاملين في التلفزيون السوري له رأي مختلف عن عامر، ويقول سليم “في الحقيقة جميع هذه الوسائل لم تأتِ بجديد يختلف عن إعلام النظام السابق”. ويضيف: “قناة الإخبارية السورية (انطلقت ببثها التجريبي في كانون الأول/ ديسمبر العام 2010) هي من أكثر قنوات النظام دعماً مادياً وسياسياً، ما يخولها التحرك على الأرض السورية بحرية تامة، ورغم ما تتمتع به من ضخامة في الكادر البشري والتقني، إلا أن خطابها الإعلامي جاء نسخة مطابقة للفضائية السورية، ما أفقدها القاعدة الشعبية”. ويعرب سليم عن اعتقاده أن هذه القناة تفتقر لمقومات الجذب الإعلامي من حيث اللغة والمهنية الإعلامية والصورة البصرية، ما جعلها أسيرة البث التجريبي حتى اليوم، فاقتصر تقديمها على الأخبار السريعة، والتقارير الإنشائية، والبرامج الحوارية السياسية التي تعتمد في أساسها على استضافة ضيوفٍ ذوي توجه فكري واحد يخدم عقلية النظام.
وكانت قناة الإخبارية السورية شهدت انشقاق مراسلها في الحسكة و المنطقة الشرقية قحطان صليبي وانضمامه للثورة، في تسجيل مصور، مرجعاً السبب إلى عدم نقل القناة لحقيقة ما يحدث على الأرض السورية.
ما قاله صليبي عن سبب انشقاقه عن قناة الإخبارية السورية لا يختلف كثيرا عما تقوله راما (25 عاماً) إحدى العاملات في إذاعة سوريانا أف أم التي انطلقت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 2012. ومنذ ذلك الحين لم تتمكن من بث نشرة إخبارية واحدة، فاقتصر بثها على المواجز الإخبارية والأغاني المؤيدة للجيش السوري. وتقول راما “إن الإذاعة الجديدة تعتمد في أخبارها الميدانية على رسائل إعلامية تستقيها من وكالة الأنباء السورية (سانا)، ويسجلها كادر الإذاعة مدعين نقلها من مكان الحدث في المحافظات السورية”.
أحمد (31 عاماً) يعمل في قناة تلاقي التي أنشأها النظام في محاولة لجمع أطياف المجتمع السوري. ولكن أحمد يعتقد أن هذه القناة لم تستطع أن تخرج عن عباءة الإعلام الرسمي السوري. ويصف أحمد قناة تلاقي بأنها “نسخة مكررة عن الفضائية السورية بطريقة تغطيتها وطروحاتها، فعلى الرغم من مرور نحو تسعة أشهر على انطلاق بثها، ركزت القناة في تغطيتها على بعض الامور والقضايا الفنية والترفيهية وتجاهلت الكثير من قضايا وهموم المواطن السوري ومشاكله الاجتماعية والاقتصادية”.
الجدير بالذكر أنّ المحطة أعطت لنفسها الحق في عرض مسلسل “نزار قباني” للمخرج باسل الخطيب، لكن دون الشارة التي برعت بأدائها المطربة السورية أصالة نصري . وعمدت القناة إلى حذف صوت المطربة نفسها عن المسلسل الكرتوني “حكايات عالمية”. يبدو أنّ إدارة المحطة الرسمية التي أن أعلنت أنّها ستعمل جاهدة لتطبيق شعارها “دعوة لنلتقي ولو في منتصف الطريق”، سرعان ما طبقت فيتو على صوت أصالة نصري كونها ذات مواقف مناهضة للنظام السوري ..
محمد الذي يقطن في معضمية الشام بريف دمشق، ينتقد تجاهل إعلام النظام لمعاناة المواطنين، وهو ما دفعه للتوجه إلى المحطات العربية قائلا “ما عجز عن تقديمه الإعلام السوري المحلي قدمه لنا الإعلام العربي القادم من الخارج” ويضيف محمد “إن معظم السوريين باتوا اليوم متشابهين في المعاناة ورغم ذلك فإن إعلام النظام بشقيه الحكومي والخاص يتجاهل دوماً الحديث عن معاناتهم، فهذا الإعلام منفصل عن الواقع”.
*اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا.