كيف أثارت الأجهزة الأمنية شهيتي إلى الثورة!

ناشط سوري

احتارت سلطات بلادي بالأسلوب الذي تواجه به اعتصام بضع عشرات من السوريين، تضامنا مع ثوراتٍ مجاورة وبعيدة في الوقت ذاته، إن حسبناها بالكيلومترات أو بالوقائع. فقد أرسلت السلطات في آخر اعتصام  أشخاصاً – من بينهم فتيات – باللباس المدني ، عرّفوا عن أنفسهم بأنهم “بلطجية”. الفتيات خلعن الحزام وانهلن بالضرب مع بقية البلطجية على المعتصمين.

الفكرة “مبدعة” وتثير الابتسام، من غير اللائق منح الفتيات هراوات! ولمن لا يعرف، فالمعتصمين والمعتصمات في مثل هذه الحالات، لا يمكن أن يردوا الضرب بالضرب والإهانة بالإهانة. ليس  فقط لأنهم دعاة لاعنف و”سلمية..سلمية” كما هتفوا في اعتصامٍ لاحق، بل كذلك  لأنهم نخبة لطيفة ومهذبة ورقيقة! مثقفون ونشطاء وطلاب جامعات،لا يهاب أحدهم ولا تهاب إحداهن الاعتقال والتعرض للضرب ربما، لكن لا يمكن أن يقوموا بأعمالٍ  كرد الشتيمة بمثلها أو ردضربة الهراوة بركلة حذاء. ليس هذه بدعوة لاستعمال العنف – فأنا أيضا من دعاة “سلمية..سلمية” –  لكني فقط أستغرب أسلوب “خلع الأحزمة” للتعرض للمعتصمين.

وفيي  اعتصامٍ آخر بعد أيام، رفع المعتصمون والمعتصمات اللافتات وهتفوا  لقرابة الساعتين من غير تدخلات فظة، وبحضور الضباط وعناصر الأمن  الذين تواجدوا في الاعتصام السابق، مدعومين هذه المرة بتواجدٍ أمني مهيب يحيط بالاعتصام  إحاطة السوار بالمعصم!

وأما في الاعتصام الذي تلا، تُرك لشرطة مكافحة الشغب – “كتيبة الشوايا” آكلة لحوم البشر وفقاً لتعبير أحد الضباط الذي هدد في اعتصامٍ سابق بالقول “بفلت عليكم كتيبة شوايا بتاكلكم” – ” بالإضافة إلى العناصر الأمنية، مهمة تفريق المتظاهرين بالهراوات وإطلاق صفة العهر على المعتصمين والمعتصمات بالمفردات المحلية التي لم يكن أهلنا ليسمحوا لنا بالتواجد في أماكن تذكر بها، أو الاحتكاك بأشخاص يتلفظون بها. وقد أثارت تسمية الضابط لكتيبة مكافحة الشغب بكتيبة الشوايا – التي يفترض فيها كما يُفهم من تعبيره، أن تتصرف بوحشيةٍ وقسوة مع المعتصمين – غضباً واسعاً لدى المشاركين وغيرهم مما دفعهم إلى تنظيم حملة على موقع فايسبوك ضد عنصرية هذا الضابط الذي كان بإمكانه استخدام مفردات لا تثير حساسيات وطنية، كالبلطجية مثلاً!

لا مفاجأة في ماحصل بحد ذاته في الحالات جميعها، فقد سبق واختبرناه مراراً. بل تكمن المفاجأة الفعلية في  التنويع بطرق التعامل مع الاعتصامات  خلال فتراتٍ زمنيةٍ متقاربة، من قبل الجهات نفسها التي تتولى التعامل مع  حراكٍ كهذا، و مع ذات الأشخاص الذين شاركوا في الاعتصامات جميعها، بوجود استثناءاتٍ قليلة. حتى أن أحد الضباط في الاعتصام الأخير صرخ غاضباً ومتذاكياً على المعتصمين، متهماً إياهم بالإصابة بالعدوى من التونسيين  والمصريين، وهذا مما لا يخطر ببال عاقل!فقد خرجت أولى المظاهرات في تونس ومصر بالآلاف وعشرات الآلاف، واعتصاماتنا عُدت بالعشرات فقط. هنالك، نادوا بسقوط النظامين التونسي والمصري، وهنا طالبنا بسقوط النظام الليبي! ولسنا في ذلك استثناءً عن العالم بأسره، حتى برلسكوني ترك همومه وفضائحه الشخصية، وخرج ليقول للعالم، وإن بشكلٍ ضمني، أن القذافي على وشك السقوط…

ذلك كان في عداد المفاجأة، لكننا ندخل حيز الدهشة مع تصريحات مسؤولين سوريين تؤكد بأن سوريا ليست مصر أو تونس أو ليبيا أو اليمن أو البحري ، إذاً لماذا نعامل معاملة “الثوار” حين ننزل إلى الشارع؟ وطالما أننا لسنا بلاد ثورةٍ وثورات كما يزعمون، لماذا ترد السلطات بما يشبه ثورةً مضادة على اعتصامٍ سلمي من بضعة عشرات من الأفراد؟! إن مشهد تلك الثورات المضادة يثير في المرء شعوراً غريباً،لا يستطيع تحديد ماهيته مباشرةً، لكن يحتاج لبعضٍ من التأمل كي يصل إلى محتواه. بالفعل..إنه يثير الشهوة إلى ثورة!