مخاوف الأغلبية الصامتة في سورية
الملايين من السوريين يراقبون التحركات الشعبية ضد النظام أو المسيرات المؤيدة له عن بعد، لا يشاركون الآخرين اللذين يخرجون يومياً في مظاهرات مطالبين بسقوط نظام حزب البعث ويواجهون خطر الإعتقال أو القتل برصاص رجال الأمن، كما لا يتحمسون في الخروج في مسيرات مؤيدة للرئيس بشار الأسد. من الممكن وصفهم بالصامتين الذين يلتزمون بيوتهم ويذهبون إلى أعمالهم بعيداَ عن أي تحرك في الشارع.
فالصمت أو التملل هو الصفة السائدة لأغلبية الشعب السوري في الوقت الحالي. الطرف المحتج واثق من أن الأغلبية الصامتة هي أغلبية محتجة ويأمل أن تتخلى هذه الأغلبية عن صمتها لتتوسع رقعة الإحتجاجات في سورية. أما المؤيدون للنظام فيرون أن الصامتين يجب أن يعبروا عن ولائهم وحبهم للرئيس الحالي بشكل واضح.
جزء من الفئة الصامتة يستكين لهذا النظام ويعتبر أن الأمن والإستقرار في عهده غير مسبوق. تقول سميرة وهي ربة منزل في 69 من عمرها: “لم نكن نخاف أن نخرج من بيوتنا بعد منتصف الليل وكنا نسير ونتحرك ونشعر أننا بمأمن من كل إعتداء، لكن الغد ضمن حالة التغيير الحاصلة في المجتمع السوري حالياً مخيفة جداً”. جارتها أمل وهي ربة منزل أيضاً في 57 من عمرها ترد قائلة: “الأمن الذي كنا نشعر به قائم على إلتزامنا بعدم التكلم عن أي شيء”.
سميرة وأمل جارتان منذ ما يزيد عن الخمسين عاماً، كانتا ومازالتا تريان أن النظام ظالم ولا يراعي حقوق المواطنين، ورغم أنهما تتفقان على ذلك، إلا أن خوفهما يختلف بين طالبة لبقاء النظام، ورافضة لبقائه ولكن كلاهما لا يخرج إلى الشارع.
حركة الإصلاح، كما يراها عمار (يرفض ذكر كامل إسمه) وهو مدير إداري في إحدى الشركات الخاصة في دمشق، تجد الكثير من المؤيدين لها: “رغم أننا صامتون لا نخرج في المسيرات أو التظاهرات، إلا أننا ما نريده هو إصلاح هذا البلد، ومن الظلم أن تحكمها هكذا عائلة أو نظام”. ويبرر عمار عدم خروجه بالخوف مما يحصل مع المتظاهرين أثناء الإعتقالات.
ورغم أن عمار لا يثق بالنظام ولا بإصلاحاته ولكنه أيضاً لا يتبنى شعار “إسقاط النظام”، وهو يعبر عن خوفه من الفوضى التي من الممكن أن تقع بعد سقوطه. عدم الثقة بالنظام نابع كما يقول محمد (يرفض ذكر كامل اسمه) رئيس مركز دراسات إقتصادية في دمشق، من خمسين عاماً من الكذب والسرقة اللذان اتبعهما حافظ الأسد، وختمها الرئيس الحالي الذي لم يف بأي وعد قطعه على نفسه: “يجب أن تبقى المظاهرات كعامل ضغط على النظام. الشارع هو المكان الوحيد الضامن للمعارضة لتحقق ما يريده الشعب فعلاً”. ولكن محمد أيضاً لا يخرج في مظاهرات خوفاً من قمع الأجهزة الأمنية ولا يطرح مقولة “إسقاط النظام” لأنه ما زال يأمل بغد أفضل دون الإطاحة بالنظام بشكل كامل.
أما حيان وهو مهندس كهرباء في مؤسسة حكومية فيرى أن السلطة تقوم بالفعل بالإصلاحات التي وعدت بها. فقد وظفت الكثير من الأشخاص في الدوائر الحكومية، كما أبدت إستعدادها في الفترة الأخيرة لتوظيف زوجات الموظفين أيضاً، حسب قول حيان. وبالنسبة إلى هذا المهندس فإن المتظاهرين لا يطرحون مطالب واضحة، كما أنهم سلموا قيادتهم إلى “مجموعة من المراهقين الهاربين من المدارس”، كما يصفهم حيان. ولكن رغم تأييده للخط السياسي الذي يتبعه النظام حالياً، فإنه لا يشارك في مسيرات تأييد لأنه لا يحب المشي مع مجموعات كبيرة من الناس، حسب قوله.
سياسة التخويف
تختلف الأسباب التي تحول دون مشاركة أوسع من الفئات الصامتة في الإحتجاجات. فهناك التخويف الذي تمارسه السلطة من إنهيار الدولة ومؤسساتها وشركاتها مما سيزيد من حالة الضياع التي تعيشها الدولة في الأشهر الأخيرة، وهو ما سيؤدي، حسب تفسير مؤيدي النظام، إلى ضياع فرص الإصلاح التي ينادي بها الرئيس الأسد نهائياً. وفي ظل سياسة التخويف هذه تظهر أيضا تحذيرات من النظام بأنه وفي حال نجاح المحتجين بتسلم زمام البلاد ستكون هناك سيطرة للمسلمين المتطرفين والتي ستنعكس سلباً حسب تكهنات أنصار السلطة الحالية على وضع الطوائف والمذاهب المختلفة، وهو ما يعني أسلمة الدولة وإلغاء ما يخالفها.
إضافة لذلك يتحدث النظام يوماً بعد يوم عن معارضة “إنتهازية” ـ كما يتم وصفها في الإعلام الرسمي ـ التي تسعى إلى إستلام زمام الأمور، ويتهمها بالعيش على “فتات الغرب” وبالتعامل مع أمريكا وفرنسا وبريطانيا مما يستتبع عودة الإستعمار القديم لكن بلباس جديد، وهو ما سيؤدي حتماً إلى إنهيار استقرار المنطقة، وفقاً لتحليل الإعلام الرسمي. هذا السيناريو يخلق الكثير من علامات الإستفهام لدى جزء من الشعب السوري ويجعلهم يخافون من مستقبل مجهول.
من الصعب التحقق في ظل الأوضاع الحالية من ميول وأفكار السوريين السياسية. وربما يساهم إستطلاع الرأي الذي قامت به جامعة بيبردين Pepperdine الأمريكية لصالح “المجلس الديموقراطي في كاليفورنيا” وتم نشره في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي في تسليط بعض الضوء على مواقف السوريين من الأحداث الجارية في البلاد حالياً. وتوصل الإستطلاع إلى أن 86.1 % ﻣﻦ اﻟﺴﻮرﯾﯿﻦ (19 مليون تقريباً) ﻏﯿﺮ راﺿﯿﻦ ﻋﻦ أداء ﻧﻈﺎم اﻷﺳﺪ و88،2 % لا يثقون بالحكومة الحالية وقدرتها على حل المشاكل الملحة. وﻋﺒّﺮ 71.1 % ﻣﻦ اﻟﺴﻮرﯾﯿﻦ (16 مليون) ﻋﻦ آراء إﯾﺠﺎﺑﯿﺔ ﺗﺠﺎه اﻟﻤﺘﻈﺎھﺮﯾﻦ، وذﻛﺮ 5.5 % ﻓﻘﻂ (مليون وربع المليون) ﻣﻨﮭﻢ أﻧﮭﻢ ﯾﻨﻈﺮون إﻟﯿﮭﻢ ﺑﻤﻨﻈﻮر ﺳﻠﺒﻲ.
سميرة التي تشعر بالخوف من الغد تشاهد كل يوم قناة الدنيا السورية عساها تشعر بالأمل أن الغد أفضل من اليوم، وما يدور في الشوارع الجانبية في الوقت الحالي ليس إلا زوبعة في فنجان كما تقول، إلا أن أمل التي ترفع صوت التلفاز لُتسمع جارتها صوت التظاهرات على قناة الأورينت المعارضة تقول إن التظاهرات ستنتصر وسيشرق الغد على جيل جديد يريد الخير للبلاد.