يوم اعتقلوا أبي وأخي!

Life goes on for this family despite the constant bombardment of their al-Maadi neighbourhood in Aleppo. Photo: Salah al-Achkar

Life goes on for this family despite the constant bombardment of their al-Maadi neighbourhood in Aleppo. Photo: Salah al-Achkar

تستمر الحياة مع هذه العائلة الصامدة رغم القصف المستمر على حي المعادي في حلب
تستمر الحياة مع هذه العائلة الصامدة رغم القصف المستمر على حي المعادي في حلب

في الرابع من تموز/يوليو 2011، دخل عناصر يتبعون لقوات النظام إلى مدينتي، كانوا يطلقون النار بشكل كثيف ومخيف. نشروا في الشوارع الجميلة الحواجز العسكرية، وأكواماً من الحجارة بجانبها ليجبروا المارة على التوقف عند كل حاجز. وضعوا على الحواجز دباباتهم ومدرعاتهم، وقاموا برفع أسوار من الأكياس الرملية.

جعلوا من المدينة ثكنة عسكرية، لمنع المظاهرات السلمية، واعتقلوا شبّان المدينة بشكل عشوائي دون استثناء! مع دخولهم المدينة، دخل الخوف قلوب سكّانها، وفرَّ الأمان والراحة والإستقرار من قلوب الجميع.

كانوا يقومون بمداهمات يومية، ويطلقون النار بشكل عشوائي ومستمر، ليزرعوا الخوف في قلوب الأهالي وليثبتوا أنّ المدينة تحت سيطرتهم. لكن رغم ذلك، ورغم دباباتهم ومدرعاتهم وأسلحتهم المتنوعة والمُخيفة، لم يتمكنوا من منع المظاهرات وإطفاء ثورة شعب، طالبَ بحقوقه بعد أن ضاق الخناق عليه من ظلم وأسى.

بقيت المظاهرات مستمرة، وغادرَ أكثر شبان المدينة منازلهم ليسكنوا في أحراش المدينة وأراضيها هرباً من الإعتقال. كانت المظاهرات بأعداد صغيرة بسبب الخوف. لكن بعد عدة مداهمات واعتقالات لأشخاص لم يخرجوا بأي مظاهرة، وجد الأهالي أنّ عدم خروجهم لم يحمهم من بطش جنود النظام، مما دفعهم للخروج صغيراً وكبيراً.

في صباح اليوم السادس على دخول المدينة من قبل قوات النظام التابعة لحكم بشار الأسد، خرجت مظاهرة كبيرة جداً في الأراضي المتطرفة، وكانت تضم الكثير من النساء والرجال وحتى الأطفال.

وبعد انتهاء المظاهرة وعودة الناس إلى منازلهم، داهمت عناصر الأسد جميع المنازل وكانوا كالوحوش الغاضبة! وصلوا إلى منزلنا حيثُ كنتُ أعيش مع والدَي وشقيقتيّ وأخي الوحيد. طرقوا الباب بشكل مُخيف وكأنهم يريدون خلعه.  قام والدي ليفتح الباب لكنه لم يكمل، حتى دفعوه بقوة فوقعَ أرضاً! قامَ أحدهم برفع سلاحه بوجه أبي، وهو يصرخ بقوة قائلاً: “ضع يديك خلف ظهرك، هيّا!” انتشر بقية العناصر في جميع الغرف، وأمسكوا بأخي وبدأوا يضربونه بقوة. جرّوه إلى جانب والدي وتابعوا ضربهما، وقائدهم يصرخ: “اضربوهم بقوة و خذوهم!” قادوهم مكبّلي الأيدي من داخل المنزل، باتجاه سيارتهم الضخمة وهم يُبرحونهما ضرباً!

كنتُ وأخواتي نمسك ببعضنا البعض ونبكي مرعوبات خائفات… وأمي تمسك بأيديهم لتمنعهم من ضرب أبي المريض في قلبه وولدها الوحيد… كانت تبكي مكسورة مترجية: “دعوهما!  ليس لي غيرهما في الحياة، أرجوكم يكفي!”  لكنهم لم يُصغوا إليها وقاموا بدفعها فوقعت أرضاً.

لا أعرف مَن كنتُ ابكي، أكان خوفي منهم أم خوفي على أمي وأبي؟ أم خوفي على أخي الذي كان شاباً كالكثير من الشبّان، الذين لم يُعرف مصيرهم بعد اعتقالهم!

بعد خروجهم من المنزل ذهبنا خلفهم. كان الطريق يعج بالأمهات اللواتي يبكين أبنائهن. فقد أخذوا بعض شباب المدينة إلى المدارس التي استخدموها كسجون، وقاموا بتعذيبهم وذلِّهم، حتى يتوبوا عن الخروج بالمظاهرات. بعد عدة أيام وبعد مطالبة نساء المدينة بالإفراج عن المعتقلين. خرج معظمهم وبقي قسمٌ منهم، بتهمة تنسيق المظاهرات والدعوة إليها.

كان والدي وأخي من بين الذين خرجوا سالمين، لكنَّ حالهم محزن للغاية! كان منظراً مؤلماً… كان تبدو على جسد كل منهما آثار الضرب، وبالكاد يستطيعان الوقوف على أقدامهم المدماة.

استقبلناهم بالأحضان، كانت فرحتنا لا توصف! ركضت أمي لتحضن أخي بين ذراعيها وهي تقبله…  تارة تنظر إليه بحزن على حالته، وتارة أُخرى تنظر بفرحة عارمة لوجوده بيننا مرة أخرى… يا لها من أيام مُرَّة وصعبة خلت. قضيناها بانتظار الإفراج عنهما والحمد لله عادا سالمين.

لكن، رغم كل الألم وكل الممارسات التي أذاقوها للناس، والتي ما تزال تصدر عنهم بوحشية… رغم كل الأسى، إلا أنهم لم يتمكنوا من إخماد شعلة الثورة وإيقاف المظاهرات… ثورتنا صامدة بإذن الله، حتى النصر.

ريم نبيل (24 عاماً) من مدينة كفرنبل، متزوجة وأم لطفلة. كانت طالبة أدب فرنسي ثم انقطعت عن الدراسة بسبب الأوضاع الأمنية والنزوح.