ويبقى الحلم بانتظار أن يتحقق
أمرأة-تحمل-رضيعها-وتمشي-في-حي-الزبدية-
"بدأ العام الجديد وكنت متحمسة كثيراً خصوصاً أنني سأدخل الفرع الأدبي الذي كنت أحبه كثيراً، وأتخلص من المواد العلمية. وأن أعوض عن معدلات السنوات الماضية. "
سجّلنا والدي أنا وأختي بمدرسة سورية مؤقتة، لكنها شرعية، وكانت من أنجح المدارس لجهة نظام التعليم والإدارة.
لم أحب هذه المدرسة أبداً. كنا ندرس حوالي 18 مادة. ولم أستطع الاندماج أو تقبل المدرسة، على الرغم من حسن خلق المعلمات والطالبات. كنت أبكي في كل ليلة، حتى تشجعت وذهبت بكل قوة لأتكلم مع والدي عما يحدث معي. تلك الشجاعة أصبحت دموعاً سيالة عندما تحدثت مع أبي الذي قال لي: سيعمل أخوكِ وابنة عمكِ على مساعدتكِ.
كان ردّي: “أنا لا أفهم على المعلّمة لا أظنهما سيضيفان الكثير”. لكن بلا جدوى. والدي رجل عاطفي، صمت قليلاً وهو يفكر بحالتي ولكن والدتي قالت: إما الدراسة وإما البقاء في المنزل، بانتظار العريس.”كان تهديدها قويا قاسيا مغلف بحنان الأم. والدي وافق على الفكرة.
أصبحت أذهب إلى المدرسة رغماً عني. وأخلق الحجج في كل يوم لأتغيب عن صفوفي. كنت أبكي كثيراً بسبب المواد الكثيرة والدراسة الصعبة. كان نظام التدريس قاسياً جداً. بقيت أحاول حتى انتهى العام الدراسي، وكان معدلي%74 . صدمني هذا المعدل، فلم أتوقع أن أحصل عليه وشدتني الفرحة كأن لو كان %100 عائلتي لم يعجبها. لكني كنت راضية عنه تماما بالنسبة لما مررت به من صعوبات.
بدأ العام الجديد وكنت متحمسة كثيراً خصوصاً أنني سأدخل الفرع الأدبي الذي كنت أحبه كثيراً، وأتخلص من المواد العلمية. وأن أعوض عن معدلات السنوات الماضية. وفعلاً اجتهدت وحققت دراجات عالية وتكرمت. وكان معدلي خلالها%89. وسرّ الجميع بهذا.
طبعاً هذه النتيجة كانت بفضل الدعم المتواصل من إحدى المعلمات. التي لن أنسى فضلها. وإلغاء بعض المواد بعد استلام الحكومة التركية للتعليم. انتهت السنة الدراسية بتفوق وبدأت المرحلة المصيرية والحاسمة “الباكلوريا”.
بدأناها بدراسة وجد ولكن سرعان ما بدأت الأمور تتخبط. الأتراك كل يوم يصدرون قراراً جديداً. الطلاب والمعلمون ضائعون، سحبت الكتب بأكملها، تم تعليق التدريس باللغة العربية لفترة، ثم عادت. حولونا من طلاب أدبي إلى الفرع العلمي. ورفضوا جميع إمتحاناتنا السابقة. وأجرينا امتحانات جديدة حيث دخلت المواد العلمية.
واجهتنا بعض الصعوبات مع المعلمات. ظلمونا بهذا القرار كثيراً فنحن منذ سنتين لم ندرس هذه المواد ولا نعلم عنها أي شيء. تعاطف المعلمون معنا أصبحوا يبسطون لنا المعلومات بعض الشيء. اجتهدت وأتيت على نفسي. واستطعت أن أتجاوز المواد التي لم أحبها بعلامات ممتازة.
وفي النهاية أصبحنا نذهب لنجلس في المدرسة فقط. وبرد الشتاء يصفعنا. والروائح الكريهة تقتلنا وظهور بعض الفئران. وفي يوم جاء القرار بأن امتحاننا سيكون معياري، اختر الإجابة الصحيحة. كما الطلاب الذين قبلنا ومن الممكن أن تكون معلومات من خارج الكتاب.
ساعدنا المعلمون على هذا الأساس. ولكن بعد انتهاء نصف الفصل الأول، اختلف كل شيء. وقاموا بإلغاء هذا القرار وخرج القرار النهائي الذي صدم وظلم الكثير من الطلبة. فالامتحان ألغي وستحسب علامات السنوات التي درسها كل طالب في تركيا.
وعند إعلان المعدلات كانت صدمة للكثيرين. وعم الصمت واحتج الطلبة على هذا القرار. لكن الحكومة التركية أصرّت عليه ولم تستجب. فهذا نظام الطالب الأجنبي في تركيا. ظلم الكثير بهذا القرار وانخفضت المعدلات كثيراً. ولكنني استطعت الحصول على معدل جيد %80 وانتهت السنة.
طلبوا منا أن نقدم امتحاناً بمادتين باللغة التركية، ونحن بالأصل لغتنا ضعيفة. ولن نستطيع اجتياز الامتحان بشكل جيد. اشترينا الكتب وتسجلنا في أحد المعاهد وعندما بدأ الدوام أصدروا قراراً بأن هذه السنة والسنة القادمة سيتم التساهل فيها مع الطالب السوري في تركيا في مرحلة البكلوريا وأن الأمتحان سيكون شكلياً فقط.
وقمنا بامتحان تركي التعليم المفتوح. في مادة الرياضيات والإسلاميات لتصبح شهاداتنا تركية. كحال الطالب التركي. دخلنا للإمتحان وقمنا بتسجيل أسمائنا واخترنا الإجابات. فهو امتحان شكلي وبعد أن قدمنا الإمتحان وظهرت النتائج، أصبح هناك خربطة في نظام المكننة في وزارة التربية في اسطنبول وقاموا بترسيبنا في بعض المواد.
وإذا رسبت في إحدى المواد تلغى الشهادة ونعيد السنة منذ البداية ولكن بعد فترة تم اصلاح العطل ومن ثم تنجيحنا. بدأت بتسجيل على المنح التي جاءني الرفض عليها مرتين. والآن أقوم بدراسة اللغة التركية وانتظر المنح الجديدة. ربما يحالفني الحظ. وأصبح في اللمكان الذي أحلم به!
6 سنوات من عمر هذه الثورة كانت كفيلة بأن تمزق الأحلام السابقة وربما اللاحقة، على أمل أن نحيا يوماً كما كنا.
ورد غدي (18 عاماً) من ريف حماه الغربي لاجئة في مدينة هاتاي التركية حيث تتابع دراستها لتصبح معالجة فيزيائية.