ولزمن الحرب مهنه في كفرنبل
عبدالله كليدو
لم يكن أمام الناس في ظل انعدام كامل للخدمات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، إلا أن يبتكروا حلولاَ جديدة تغنيهم عن خدمات السلطة المركزية في دمشق
(كفرنبل-سوريا) ترك أبو أحمد (45 عاماً) عمله في البناء في مدينة كفرنبل بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع الطلب والمخاطر. تحول أبو أحمد إلى صاحب مولد كهرباء يبيع الاشتراكات لتجار البلدة وسكانها في ظل انقطاع التيار الكهربائي المستمر مع تغذية لا تتعدى الساعتين في اليوم.
بعد ثلاث سنوات من الحرب لم يكن أمام الناس في ظل انعدام كامل للخدمات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، إلا أن يبتكروا حلولاَ جديدة تغنيهم عن خدمات السلطة المركزية في دمشق كالكهرباء والماء.
وهكذا وجد أهالي مدينة كفرنبل حلّاً لمشكلة الكهرباء بدءاً من لمبة الكاز، مروراً بمولدات الكهرباء الصغيرة التي تعمل على البنزين، إلى أن وصل ألمر إلى محركات الديزل الكبيرة ويطلق عليها الأهالي تسمية “الأمبيرات”. وهي أصبحت مهنة لها أصولها وقواعد عملها وآدابها، أي غدت محكومة بنظام كباقي المهن.
ويقول أبو أحمد (45 عاما ) “بدأ الأمر بشرائي مولد ديزل كبير، وقمت بتغذية المحلات التجارية في السوق. تطور الأمر إلى تغذية المنازل عن طريق الاشتراكات. وقد حققت هذه المهنة دخلاً محترماً لي، كما وفرت الكهرباء لأهالي المدينة”.
ووفق أبو أحمد الأرباح من هذه المهنة ترتبط بأربعة أمور، سعر المازوت، عدد المشتركين، وحجم المولد وجودته. ويضيف “إذا كانت هذا الأمور كلها جيدة تقدر الأرباح بخمسين بالمئة من حجم الاشتراكات”. يعاني أبو أحمد كغيره من ارتفاع سعر المازوت الأمر الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع تسعيرة الأمبير، وأيضا من عدم قدرة الناس على الاشتراك سوى بأمبير واحد وهذا لا يحقق مردوداً كبيراً، كما يتخوف من استهداف المولد بالقصف، مما يهدد مشروعه بالكامل.
خالد المحمود (40 عاماً) صاحب محل الخضروات هو أحد المشتركين في أحد مولدات الديزل، يقول: “نعم وفرت لنا الكهرباء ولكن أنا مشترك بأمبيرين وكل أمبير بسبعة دولارات شهريا، وهذا كثير بالنسبة لي…لكن نحن مضطرون للاشتراك بسبب عدم وجود الكهرباء”. توافق خالد ربة المنزل أم عمار(40 عاماً)، وتقول:” قدرتنا على الاشتراك لا تتجاوز الأمبيرين، وهذا لا يمكّنك تعمل على الغسالة أو حتى أن تستفيد من الثلاجة… فقط تستطيع تشغيل التلفزيون وإنارة المنزل”.
أيمن الأحمد (35 عاما) كان شرطيا قبل أن يترك وظيفته ويحفر بئر ماء، يزود المحتاجين بواسطة الصهاريج، خصوصا أن شبكات المياه مقطوعة في أكثر من منطقة بفعل القصف والدمار والتخريب بهدف السرقة.
يعاني سكان كفرنبل من الانقطاع الدائم للمياه، مما دفع البعض إلى الاستثمار بالآبار السطحية. مدير مكتب الخدمات في المجلس المحلي للمدينة فريد الموسى مالك أحد هذه الآبار يقول “أن عدد الآبار السطحية المرخصة من قبل الحكومة في دمشق قبل اندلاع الأزمة كان تسعة آبار فقط, أما الآن فهناك 82 بئراً”. وهذ العدد الضخم من الآبار جاء نتيجة رغبة الكثير من الناس في الاستثمار في هذا المجال الذي يبدو مربحا على حد قول الموسى.
ويعتقد الموسى أن هذه المهنة الجديدة قدمت خدمة كبيرة ليس لأهالي المدينة فحسب، إنما للمنطقة المجاورة أيضاً. ويضيف الموسى:” هناك ما يقارب الألفي حمولة صهريج توفرها الآبار للمدينة وللمنطقة المجاورة”.
وفي ما يتعلّق بارتفاع تسعيرة حمولة الصهريج من المياه يرد الموسى الأمر إلى “استجرار المياه بواسطة مولدات الديزل، التي تعمل على المازوت المرتفع السعر في المناطق المحررة لعدم توفر الكهرباء، وهذا هو سبب ارتفاع سعر حمولة صهريج الماء”. ويشير الموسى إلى “أن المجلس المحلي في الآونة الأخيرة قام بتحديد تسعيرة موحدة لحمولة الصهريج قدرت بأربعة دولارات”.
ويشتكي رئيس قسم البرامج في راديو فريش التي تبث من كفرنبل نظير العباس (27 عاماً) من ارتفاع تسعيرة حمولة الصهريج الواحد التي تصل إلى خمسة دولارات تقريباً، ويقول العباس “أحتاج إلى حمولة صهريجين من المياه أسبوعياً أي ما يعادل 40 دولار شهريا، وهذا هو نصف الأجر الذي أتقاضاه من الراديو شهرياً، والذي يقدر بــ 80 دولار”.
إضافة إلى مهنة “الأمبيرات” وحفر الآبار لبيع المياه، برزت مهنة التنقيب عن الآثار بشكل فردي عشوائي أو بشكل منظم. اشترك محمود مع مجموعة من الأصدقاء في شراء جهاز للكشف عن المعادن بلغ سعره أربعة آلاف دولار. يعمل محمود ورفاقه على توفير خدمة الكشف عن المعادن للراغبين بالبحث عن الآثار في منازلهم، شرط أن يحصل على حصة من الاكتشافات تقدر بالثلث، وإن لم يجدوا شيئاً لا يتقاضى محمود ورفاقه أي بدل. ويؤكد محمود وجود الكثير ممن يعملون بالتنقيب وممن يمتلكون أجهزة كشف متطورة عن الآثار. ويقول محمود “هناك من يعمل داخل المدينة ومنهم من يعمل في القرى الأثرية المجاورة للمدينة, الجميع يعمل في هذه المهنة، ويبيعون الآثار للتجار…نحن أولى منهم كوننا أبناء المنطقة”.
التنقيب عن الآثار وبيعها أثار المجلس المحلي في المدينة حيث يقول الرئيس السابق للمجلس محمد المحروق ” قمنا بتعيين حارسين على المناطق الأثرية، من أجل حمايتها وحماية أحراج البلدة من القطع والمتاجرة بها”.
تباع الآثار أما لتجار محليين أو يقوم صاحب الآثار بتهريبها إلى تركيا ويبيعها هناك. ويفضل محمود “التهريب إلى تركيا للبيع، لأن الأسعار هناك مرتفعة، على عكس التجار المحليين…أسعارهم زهيدة”.