وخسرت فرصة دراستي في الجامعة بسبب تعديل الشهادة
أم سورية تعلم أطفالها القراءة والكتابة في أحد أحياء مدينة درعا في جنوب سوريا.
"كانوا في كل مرة يخبرونني بأن شهادتي لن تتم معادلتها كما يجب. فالاخطاء الواردة في بياناتي لا يمكن تعديلها"
وبعدَ هذا الصبر الطويل والمعاناة الشديدة، حصلتُ أخيراً على مقعدٍ دراسي في إحدى الجامعات التركية.
بدأت مسيرتي الدراسية مع منحةٍ كنتُ قد حصلتُ عليها في العام 2015، من الحكومة التركية إثرَ تفوقي بالثانوية العامة. كانت المنحة قد أتاحت لي فرصةَ الدراسة في جامعةِ إينونو بمدينة ملاطيا التركية، كما أن هذه المدينة تُعد من أجمل مدن شرق الأناضول والقريبة من نهر الفرات.
مكثتُ في هذه المدينة سنتين، كانت السنة الأولى تحضيرية، درست خلالها اللغة التركية، وتمكنت من اجتيازها والحصول على شهادة اللغة بمعدلٍ ممتاز. مما أهلّني للانتقال فوراً في السنة التالية إلى دراسةِ الهندسة المدنية.
في بداية الأمر واجهتُ الكثير الكثير من الصعوبات. بالرغم من تمكني من اللغة إلا أنني كُنتُ أثناء المحاضرات أكادُ أضرِبُ رأسي بالحائط. فانقطاعي الطويل عن الدراسة قبل حصولي على المنحة أثر عليَّ كثيراً، وأدى إلى نسياني الكثير من المعلومات.
إلا أنني لم أيأَس للحظة. وكان إيماني بالله أقوى وأعمق وأجل من أن أستسلم لأمرٍ كهذا، كنتُ كثيرة التضرع إلى الله، كثيرة الدعاء. أريدُ إكمالَ رحلتي الدراسية. أُريدُ أن أُصبِحَ شيئاً يُحتذى به في المستقبل. أريد أن أصبح منارةً لغيري. لا أريد أن اعودَ للخلف. أو أن ارجع لحياتي السابقة، فلا يوجد فيها سوى الحزن والألم.
كَونّتُ صداقاتٍ جديدة، تعرفتُ على أصدقاء من مختلف البلدان والمناطق. كنتُ أُقيم في السكن الجامعي، وكان معي في غرفتي خمسُ طالباتٍ غيري. كلُ واحدةٍ منهنّ تملك حكايةً وقصةً مختلفة. تآلفت أرواحنا وتفاهمنا بشكل جيد جيداً، وأصبحنا كالعائلة الواحدة. تحب إحدانا الأخرى وتتمنى الخير للأُخريات كما تتمناه لنفسها. كانت كل واحدةٍ منّا في عمرٍ مختلف، وفي فرعٍ مختلف.
انتهينا جميعنا من دراسة هذه السنة، وانتهيتُ أنا من دراسة السنة الأولى، بمعدلٍ لا بأس به، لم أتمكن من أن أنجحَ في جميع المواد، إلا أنني استطعت ُأن أتأهل للسنة الثانية…
حلّت العطلة الصيفية وكل واحدة منا ستذهب إلى عائلتها في مكان إقامتها، ولن نلتقي حتى السنه المقبلة بمشيئة الله. عدتُ إلى منزلي لقضاء عطلة الصيف برفقة عائلتي. فأنا لم أتمكن
من رؤيتهم خلال هذه السنة سوى مرة واحدة فقط بسبب بعد المسافه بيننا. وكُنتُ في شوقٍ كبيرٍ لوالدتي ووالدي وإخوتي…
وبعدَ مُضي عدة أسابيع تقريباً من العطلة الصيفية، اتصلت بي إحدى زميلاتي واخبرتني أن الجامعة تطلبُ تعديلاً لشهادة الثانوية العامة لم تكن قد طلبَته منا سابقاً. وما كانَ عليَّ سوى الإسراع إلى مديرية التربية في الولاية التي أَقطُن فيها، والسعي وراءَ تعديلٍ لشهادتي، والأمرُ يتطلبُ بعضَ الوقت.
ذهبتُ إلى مديرية التربية، وبدا أنَّ الأمر يحتاج إلى الذهابِ عدةَ مراتٍ كما تَبينَ لي، فلم يكن هذا بالأمر السهل… عقبَ وصولي أعطيتُ شهادتي للموظف المسؤول. نظر إليها للحظات ثُم قال لي: عودي بعدَ 15 يوماً. فانسحبتُ بهدوء وعدتُ إلى المنزل.
وعندما راجعته بعد انقضاء المدة المطلوبة، أخبرني أن شهادتي لن تتم معادلتها، فهناك بعض الأخطاء التي لا يمكن تفاديها بشكل سريع. أصابني الإحباط والذعر والخوف والقلق في آنٍ واحد.
وسرعان ماوصلت إلى البيت بدأتُ بالبكاء ولم أدري ما السبب، ربما لأن ضيقاً في صدري انتابني حيالَ هذا الموضوع. فالجامعة وكما أخبرتني صديقتي لن تسمح لأي طالب الاستمرار فيها إن لم يكن حاصلاً على التعديل.
أُصبتُ بخيبةِ املٍ كبيرة. لم أعد اعرف كيف اتصرف حيالها، وكيف يمكننني مواجهة هذه المشكلة. لأنها وبكل تأكيد مشكلة حقيقية بالنسبة لي، وأبعادها كبيرة.
بدأت أفكارٌ عديدة تراودني: هل حقاً لن أُكمِلَ دراستي؟ هل سيتوقف حلمي؟ ماذا لو صَحَّ هذا وتحقق؟ يا إلهي… لا أستطيع التصديق أو التخيل حتى… هكذا بدأتُ أتمتِمُ في نفسي. كيف ستكون النهاية؟ هل سأستطيع حقاً تجاوزَ هذه المحنة؟ أَم أنني سأخضعُ لواقعٍ لم يكن في الحسبانِ ابداً؟
توالى ذهابي إلى مديرية التربية من أجل التعديل، ولكنهم كانوا في كل مرة يخبرونني بأن شهادتي لن تتم معادلتها كما يجب. فالاخطاء الواردة في بياناتي لا يمكن تعديلها، أغلقتُ الموضوع فترةً من الزمن، إلى أن فتحت الجامعة مجدداً.
ذهبت إلى المكان المخصص لمراجعة شؤون الطلاب في جامعتي، وأخبرتهم بما حدث، فقالوا لي لن يستطيع أي طالب الالتحاق أو إكمال الدراسة في الجامعة إن كان لا يحمل تعديلاً لشهادته.
أُصبتُ بحزن شديد حيال هذا الأمر، ولكن لم يكن أمامي سوى أن أجمع اغراضي وأعود إلى منزلي، وذلك لم يكن بسهولة، وإنما بعد تكرار المحاولات من أجل الحصول على التعديل أو حتى إصلاح الأخطاء الواردة في بياناتي. إلّا أنَّ كل محاولاتي باءت بالفشل، وأصابني اليأس والإحباط من كل جانب.
لم يكن أمامي سوى المكوث في المنزل مع شهادتي. لم أَعتد على المكوث الطويل في المنزل، ولطالما أعتدت على العمل في حياتي، إذ أنّ ماحصل معي جعلني أيضا انهض من جديد وأبحث عن عمل ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة.
فشهادة اللغة التركية تمكنني من الحصول على العمل في العديد من المجالات هنا. لا سيما في المدارس والمعاهد، وكوني كنت متقنةً جيدة للغة أتاح لي هذا الأمر أن أُقدم طلباً للتدريس في أكثر من مدرسة ومعهد.
رحاب مصطفى (22 عاماً) من حماة.