وتحول منزلنا في تركيا إلى مضافة للنقاهة

رجل كبير في السن يجلس في أحد أحياء مدينة زملكا التي تعرضت للقصف المباشر بالصواريخ الكيماوية في عام2013. الصورة بتاريخ 20-08-2017.

رجل كبير في السن يجلس في أحد أحياء مدينة زملكا التي تعرضت للقصف المباشر بالصواريخ الكيماوية في عام2013. الصورة بتاريخ 20-08-2017.

"كان موعد الافطار الرمضاني في الساعه الثامنة مساءً. ورغم هذا كنت أبدأ بإعداد الطعام قبل الساعة الرابعة. لأن الكمية التي يجب أن تطبخ كبيره لتكفي جميع الموجودين"

كنا من أوائل العائلات التي خرجت من بلدتنا في ريف حماه وأقمنا في تركيا… كان الناس حينها يظنون كما نحن أن الحرب هي عدة أيام أو أشهر وتنتهي.
كان الغالبية يضحكون على من يغادر البلد. ويصفونه بالجبان وأنه هرب مع أول رصاصة او قذيفة. للصراحة كانوا جميعاً يخافون، ولكنهم يظهرون عكس ما يظهر على وجوههم. أظن أن خروجنا نحن وعدة عائلات فتح الباب أمام الكثيرين. فمنذ خرجنا وكل يوم أسمع بوصول عائلة جديدة من بلدتي.
وصلنا إلى تركيا وعلم الكثير من الناس بإقامتنا فيها، وبحكم ان تركيا كانت تستقبل المصابين وتعالجهم، فقد تحول المنزل الذي استأجرناه إلى مأوى للجرحى، أو دار مضافة. كان كل من يأتي حديثاً يقيم عندنا أياماً حتى يجد منزلا يقيم فيه. وكل مصاب يدخل إلى المشفى التركي عدة أيام حتى تخف جراحه، ويخرج للإقامة معنا إلى أن ينتهي علاجه.
كان منزلنا يقع في الطابق الرابع، مكون من 3 غرف صغيرة جداً، لا تكاد الغرفه تتسع لثلاثة أشخاص. ومع هذا كان عدد المقيمين فيه أحياناً يتجاوز 15 شخصاً. كانت تساعدنا شرفة المنزل، فقد كانت واسعة بعض الشيء. ينام البعض منهم فيها والباقي يتوزع في الغرف.
كنت ارى جميع أنواع المصابين تقريباً، من يده أو قدمه مكسوره، من عينه أو رأسه فيه شظيه. رأيت أناساً في منزلي من بلدتي لم أكن أعرفهم. ولم أتعرف عليهم أو أتحدث إليهم إلّا في تركيا.
عند وصولنا لتركيا كنا في منتصف شهر رمضان. والكل يعلم كيف نسعى لإعداد افضل وجبة عشاء للإفطار يومياً. فكيف إن كان عندك كل هذا العدد من الشباب والضيوف. كان موعد الافطار الرمضاني في الساعه الثامنة مساءً. ورغم هذا كنت أبدأ بإعداد الطعام قبل الساعة الرابعة. لأن الكمية التي يجب أن تطبخ كبيره لتكفي جميع الموجودين، وربما يأتي ضيف جديد أيضاً.
كان أخي يقيم معي في نفس المنزل. وكان يعمل مع إحدى المنظمات الإغاثية، وكان عملهم ينشط في رمضان، فبحسب طبيعة عمله ربما لا يحضر معنا مائدة الإفطار الرمضاني. وأحياناً يأتي بعد أن ينتهي الطعام ويحضر معه الشباب الذين يعملون معه، ولا يوجد من يجهز لهم طعامهم أو ضيوف جاؤوا من الخارج للاطلاع على وضع اللاجئين. كنت أضطر أحيانا لمعاودة إعداد مائدة عشاء للمرة الثانية. وقد يمتد وقوفي في المطبخ إلى وقت السحور.
كان الأمر مرهقاً جداً، ان أصوم النهار في كل هذا الحر، وأضطر للوقوف في المطبخ عدة ساعات لا أعرف ماذا سأعد فطوراً لليوم. مع كل هذا العدد من الناس. هذا ما عدا وقوفي بعد انتهاء العشاء لغسيل الاطباق. كان الامر ذاته يتكرر وقت السحور، فقد كان الأمر يأخذ مني ساعة أو أكثر لإعداده.
كثيراً ما كانت تؤلمني قدميّ وأنا اقف. أو يهبط ضغطي من طيلة ساعات الوقوف والصيام والإرهاق. ولكني لم أدع أحداً يشعر بذلك. كنت أخجل من أن أريهم ضعفي. أردتهم أن يروا الوجه الذي اضحك به لكي لا يشعر أحداً انه غير مرحب به. أو أني متضايقة من وجوده.
لقد كنت مدركة تماماً أن جراحهم وآلامهم اكبر من وجع قدميّ، وأنهم سيقيمون فتره ويذهب كل واحد لبيته وأهله بعد أن يشفى. وكلما سافر مصاب جاء آخر، كنت كل عدة أيام أتعرف على وجوه جديدة. أناس لا تربطنا بهم أي صلةـ غير أنهم أبناء البلد، وخرجوا ولا مكان لهم. يحضرهم أحد المعارف إلى بيتنا حتى تخف جراحهم.
لم يكن في المنزل الذي نسكن فيه غسالة ملابس. وكان يتوجب علي أنا أو والدة زوجي غسيل الملابس بأيدينا. نجلس ساعات ونحن ننظف ملابس المقيمين معنا وملابسنا. ويتكرر هذا الامر عدة مرات في اليوم. كان الجو حاراً جداً وكان الشباب يدخلون للحمام مرتين في اليوم أحيانا. وأحيانا يستبدلون ملابسهم في كل مره. وكان علينا أن نغسل احياناً كلّما انتهوا حتى لا تتراكم الملابس ويصبح الأمر أصعب.
كان العيش مع أناس لا نعرفهم امراً صعباً للغاية. وخاصه أن البيت صغير جداً.كان المطبخ لا يتعدى عرضه المتر ونص، وكنت اتفاجأ بأحدهم يأتي ليشرب المااء او ليصنع لنفسه كوباً من القهوة أو الشاي. فكان يتوجب علي أن أكون محتشمة بملابسي طيلة الوقت.
كنت اشعر بالضيق وأتأفف أحياناً كثيرة من هذا الوضعز ولكن بعد قليل أعود لحالتي وأواسي نفسي ان هذا كله سيصبح ذكرى. وبالفعل أصبح كذلك.
عندما أتذكر كل هذه الاحداث اليوم، أشعر وكأنها كانت ساعات. بالرغم من ان الساعة يومها كانت تمضي كأنها يوم كامل! بالطبع لا أقول أتمنى أن تعود لأنها فعلاً كانت ايام إرهاق وتعب بالنسبة لي. ولكنني أقول في نفسي أمه من الجيد أن يأتي ذات يوم وأقابل فيه من قمت بخدمتهم. وأن أرى في عيونهم ظرة امتنان أو شكر.
ضميري مرتاح لأني لم اظهر لهم تعبي يوماً. ولم أشعرهم أني صاحبة فضل عليهم. والحمدلله أنهم غادرونا وهم لا يحملون معهم إلا ذكرى وجوهنا الباسمة. بعضهم يتواصل معنا حتى اليوم، ولو بفترات متباعدة، لكن هذا يعطيك شعوراً بأنه لم ينسك، ولم ينس ما فعلت. لا أعرف ماذا تخبئ لنا الأيام، ربما في يوم من اأايام نحن من سيحتاج للإقامة عند أحدهم!
مريم احمد (35 عاماً) متزوجة وأم لطفلة واحدة وتبحث عن عمل.