واعتاد زوجي عمله في تركيا رغم المصاعب

رجل يبيع الحلوى في مدينة زملكا

رجل يبيع الحلوى في مدينة زملكا

"كان والد زوجي وأخي يحاولان مساعدتنا بالبحث عن عمل من خلال بعض المعارف من الأتراك ـوالسوريين. بعد أشهر من البحث استطاع أخي ولله الحمد أن يجد فرصة عمل لزوجي مع إحدى منظمات الإغاثه. "

كان قد مرّ على قدومنا إلى تركيا 5 أشهر، ولا زال زوجي يجلس في البيت بلا عمل. وكان والد زوجي يصرف على جميع من في المنزل مما كان ادخره من نقود جاء بها من سوريا. وكان لا بد أن تنفذ إن بقي الوضع على هذا الحال!
وكان البيت عبارة عن مضافة، إضافة إلى أهله وعددنا 10 أشخاص. ولا يمكن بالطبع أن تطلب من الضيف أن يساعد في مصاريف البيت أو الإيجار. كانت الحياة صعبةً جداً والأصعب أن تجد فرصة عمل.
بحثت عن عمل في أحد محلات الملابس، ولكن استغلال طالبي العمل بلغ أشدّه. بمجرد أن يعرف صاحب المكان أنك من سوريا يعرض عليك أدنى راتب وأطول ساعات عمل. وبالطبع أنا كربة منزل لا أستطيع أن أتغيب عن منزلي من التاسعة صباحاً حتى التاسعة ليلاً!
عدلت عن الفكرة وبقي زوجي فقط يبحث عن عمل لإعالتنا. يبقى غيابه وتحمله للتعب أكثر مني، ولكن دون جدوى، قاربنا اليأس. انتهى به الأمر في البيت. كان والد زوجي وأخي يحاولان مساعدتنا بالبحث عن عمل من خلال بعض المعارف من الأتراك ـوالسوريين. بعد أشهر من البحث استطاع أخي ولله الحمد أن يجد فرصة عمل لزوجي مع إحدى منظمات الإغاثه.
وگغيرها من المنظمات كان راتب الوظيفة فيها متواضعاً، وساعات العمل طويلة جداً. ولكن بما أنها منظمه كبيره ومعروفه كان الأمل أن يزيد الراتب تدريجياً. كانت ساعات العمل تزيد عن 15 ساعة يومياً. بحسب طبيعة العمل، يجب توزيع الكمية المطلوبه من المعونات الإغاثية كاملة.
ليس هناك من ساعات عمل محدده، ويتوجب عليه أن يبقى طيلة الوقت متأهباً على قدميه. لا وقت حتى للاستراحه. اعترض زوجي في البداية وكاد أن يرفض لولا أنني شجعته وذكرته بالظروف القاسية التي نمرّ بها وربما ينفذ المال في أي لحظة.
صاحب البيت لن يدعنا نسكن مجاناً، وعدا هذا كله، أنا كنت أحتاج بعض المال لي ولابنتي. كنا قد وصلنا إلى تركيا بقطعتين أو 3 من الألبسه الضرورية فقط. لهذا كان عمله ضرورياً، استمر زوجي بالعمل. أذكر في شهر مارس/آذار سنة 2013 كان يغيب عن البيت اليوم بأكمله. يأتي منهكاً جداً، يأكل ويبدل ثيابه وينام. وفي اليوم التالي يتكرر الأمر.
لم نكن نراه سوى دقائق معدودة. أذكر أنه بقي عدة أيام لم ير فيها ابنتنا، وهي في نفس المنزل والغرفة أيضاً. كان يذهب وهي نائمة ويأتي وهي نائمة أيضاً. أزعجه هذا الأمر، وحاول أن يترك العمل ويبحث عن آخر. ولكنتي أقنعته أن يبقى فيه ريثما يجد فرصة عمل أفضل. بقي في عمله وهو يتململ وغير راض.
بعد بضعة أشهر بدأ زوجي يعتاد العمل، وقررت المنظمة أن تزيد عدد الموظفين في الشهر التاسع من نفس السنة. فرح زوجي بهذا الخبر جداً، فقد كان العمل كثيراً جداً أما عدد العمال فضئيل. وكان زوجي قد انهك، وكانت قدماه قد بدأتا بالتورم، ولكنه كان يجبر نفسه على العمل لانه لو ترك فسيأتون بغيره.
كان الكثير من الناس يبحث عن فرصة عمل، بعد أن زاد عدد العمال قرر زوجي أن يطلب إجازه ليراجع الطبيب من أجل تورم قدميه. وبالفعل لم يرفض المدير لأن زوجي كان ملتزماً في عمله.
ذهب زوجي الى الطبيب التركي في مستشفى كانت تستقبل السوريين بالمجان. وفوجئ الطبيب بمنظر قدمي زوجي وعلى الفور حوله الى المستشفى. كان الدم يتخثر في قدميه بسبب طيلة ساعات الوقوف، وحمل الاشياء الثقيلة.
أخبره الطبيب أنه إن لم يبقَ في المستشفى تحت الرعاية الطبية فالدم سيواصل التخثر حتى يصل الى القلب لا سمح الله. زوجي أبلغ مديره الذي لم يمانع بعد ان اطلع على التقرير الطبي.
سبّب لي هذا الأمر قلقاً كبيراً، من ناحية أن حياة زوجي في خطر، ومن ناحية أخرى خفت أن يفقد عمله بسبب الأيام التي سيقضيها في المستشفى. اقام زوجي في المستشفى، وكان تحت المراقبة الدقيقة. كل يوم يعيد له الطبيب التحاليل والصور ليتأكد أن وضعه يتحسن. كنت أذهب إليه صباحاً ولا أعود إلّا آخر النهار.
بقينا على هذا الحال أسبوعاً كاملاً، حتى طمأنه الطبيب وسمح له بالخروج. ولكن بشرط أن يرتاح أسبوعاً آخر في المنزل. وبالفعل عدنا الى البيت، وقرر زوجي ان يرسل اخاه للعمل بدلاً منه، حتى لا يفقد العمل. وافق مديره على هذا والحمدلله تعالج زوجي وشفي وعاد الى عمله. حيث يمضي 8 ساعات فقط في العمل، والراتب في تحسنٍ مستمرٍ.
واليوم وبعد سنوات من هذه الذكريات لا زال زوجي في عمله. أحمد الله أنه قاوم في بداية عمله رغم الصعوبات والإرهاق الذي مر به. وانه لم يرضخ ليأسه. هو اليوم سعيد بهذا، ودائماً يقول: على الأقل أقبض راتباً شهرياً.
الكثير من الشباب يتمنون مثل هذا العمل أو أي عمل ولا يجدون. زاد عدد السوريين أضعافاً مضاعفة، وفرص العمل أصبحت صعبة للغاية. أتمنى أن يدوم هذا العمل، ولا نحتاج للبحث عن غيره وأعيش نفس الضغوطات التي عشتها قبل أن يجده.
مريم احمد (35 عاماً) متزوجة وأم لطفلة واحدة وتبحث عن عمل.