وأصبحت أدرس في ما كان مطبخاً قديماً
"وصلت تلك الشرارة لمنطقتنا في ريف حماة الغربي، واندلعت. كنت في الصف السابع. مع بداية العام الدراسي كانت بداية المآسي."
جميعنا يحلم بحياة جميلة وطفولة رائعة لا يخدشها حزن، سوى حزن فقدان لعبة أو عدم الذهاب في رحلة ما. لا أذكر إلّا كل جميل وسعيد عن طفولتي. على عكس إخوتي الصغار وأطفال سوريا الذين عاشوا مرارة هذه الحرب وقسوتها من جميع النواحي. لقد فقدوا الكثير، وأهم ما فقدوا التعليم والمدارس.
على الرغم من جمال طفولتي إلا أن النهاية كانت صعبة جدا. اندلعت شرارة الثورة وكانت بعيدة عنا كثيراً تلك الشرارة، بعد السماء عن الأرض. لم نشعر بقسوتها في البداية. كنت أسمع من الجميع عبارة: أهل سوريا عرفوها في الثمانينات، ولن يحدث أي تطورات خطيرة.
ولكن وفجأة حصل كل شيء لم يكن متوقعاً. لا أذكر سوى أنني كنت من الطلاب المتفوقين وأصحاب الأحلام الكبيرة. كنت أحلم أن أكون صيدلانية على الرغم من كرهي للمواد العلمية. إلّا أنني كنت ادرس بكل قوتي لأنافس أصدقائي.
وصلت تلك الشرارة لمنطقتنا في ريف حماة الغربي، واندلعت. كنت في الصف السابع. مع بداية العام الدراسي كانت بداية المآسي. افتتحت المدارس وفتحت معها خنادق الخوف والرعب. كنا نذهب كل صباح بكل نشاط والخوف يعتري أهلنا لكنهم مجبرون على ذهابنا.
اقتحم الجيش المنطقة وأقام حاجزاً عسكرياً عند مدخل قريتنا. وأخذ منزلنا كنقطة تمركز عسكرية له بعد أن تم إخراجنا منه قسراً بتاريخ 13 مايو/أيار 2013 .
كنا مجبرين على المرور من أمام منزلنا كل صباح. أذكر في أحد الأيام كان دوامي في الساعة السابعة صباحاً، عندما ودعت أمي وذهبت وحدي إلى لمدرسة، كنت أرى الحاجز من بعيد، قمت بتغيير الطريق. وفجأة بدأ القصف والرصاص. في المدرسة تعالت أصوات البكاء والمعلمون يهدئون الطلبة….
في نهاية الدوام جاءت المدرعة ووقفت أمام المدرسة. وقطعوا الطريق المجاور للمدرسةـ ولا أذكر سوى منظر إحدى صديقاتي التي بدأت بالقفز من مقعد لآخر والبكاء والصراخ.
ونقلنا سكننا إلى منطقة مجاورة أقلّ توترا من منطقتنا. ولم أعد آتي للمدرسة سوى أيام الأمتحان. أنهيت دراستي بتفوق ونجاح. ولكن لم أكن أعلم أنني سأواجه الأصعب والأصعب.
بدأت السنة الدراسية الجديدة وأنا في القرية المجاورة، لم أستطع الألتحاق بالمدرسة بسب بعض المضايقات. بدأت أدرس في المنزل لأعود في وقت الأمتحان. ولكن وفجأة وفي توقيت لم يكن بالحسبان. حان موعد مغادرة الوطن. الفكرة التي لطالما أجلها والدي على الرغم من خروج إخوته.
وخلال24 ساعة قمنا بترتيب كل شيء وخرج إخوتي وجدتي وأولاد عمي إلى تركيا في تمام الساعة الـ 6 صباحاً. ولم نبق سوى أنا ووالداي وعمتي. ولحقنا بهم بعد 6 أيام، بتاريخ 25 ديسمبر 2014. ذهب العام الدراسي ولم أكمل تعليمي ولكنني نجحت بناء على علاماتي السابقة. في تركيا كانت البداية صعبة جداً. كل شيء مختلف تماماً. من حيث اللغة والناس والطباع.
بدأ العام الدراسي والتحقت بمدرسة سورية بعد انقطاعي لعام كامل عن الدراسة. كنت في الصف التاسع الذي يعد مرحلة مصيرية. واجهت صعوبات كثيرة، خصوصا من ناحية المواد العلمية. لكن من حولي شجعوني. قاومت وأكملت السنة على الرغم من قسوتها و قسوة البرد والروائح الكريهة في تلك المدرسة.
كانت المدرسة عبارة عن بناء قديم جداً. صفوف صغيرة جدا وعدد كبير من الطالبات. صفي كان عبارة عن مطبخ قديم. الداخلون إليه أكثر من الخارجين منه. ولا مقاعد للجلوس، فكنا بفترة نجلس على الأرض ونصمد على برد الشتاء.
ولم يكن في المدرسة مقومات تشجع للدراسة أبدا. في كل يوم معلم جديد بسبب الإدارةال ضعيفة. طلاب حصلوا على الشهادة الثانوية أصبحوا أساتذة لنا، فذهبنا نحن ضحية ذلك الإهمال.
تعبت كثيراً ولكنني لم أستسلم. وبذلت جهدي على الرغم من أنها مرحلة تعتمد على السنة التي قبلها بشكل كبير. أنهيتها بعلامات جيدة جداً. لكنها كانت ممتازة بالنسبة لوضعي. وأكملت دراستي وانتقلت إلى لصف الأول الثانوي والحمد لله…
وعلى الرغم من كل هذا.لم تنته المصاعب .على أمل العودة كما كنا!
ورد غدي (18 عاماً) من ريف حماه الغربي لاجئة في مدينة هاتاي التركية حيث تتابع دراستها لتصبح معالجة فيزيائية.