هربوا من الحرب في العراق إلى سوريا وعلقوا عند الحدود التركية

العراقيون وقد افترشوا الأرض في منطقة دركوش الحدودية تصوير أحمد عبيد

العراقيون وقد افترشوا الأرض في منطقة دركوش الحدودية تصوير أحمد عبيد

ترك مئات العراقيين منازلهم وقراهم وعبروا الحدود إلى سوريا، بعدما اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش لمناطقهم، حيث جرت مواجهات بينه وبين الجيش العراقي والحشد الشعبي.
نورس (33 عاماً) أحد أهالي محافظة الأنبار يقول: “بعد الإنتهاكات التي تعرضنا لها والقرارات الصعبة وشبه المستحيلة التي أصدرتها الهيئات الشرعية لتنظيم خرجنا من منطقة القائم في محافظة الأنبار باتجاه مدينتي هيت والرطبة غرب المحافظة”.
يضيف نورس: “بعد اجتياز المئات من الكيلومترات في الأراضي الصحراوية وصلنا إلى أقرب منطقة تسيطر عليها القوات العراقية، لنجد بانتظارنا إجراءات عزلٍ شديدةٍ حيث فصلوا الرجال عن النساء في معسكرات احتجازٍ تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، كما خضعنا للتدقيق الأمني في ثلاثة مواقع داخل الأنبار”.
نورس يصف معاملة قوات ميليشيا الحشد الشعبي بأنها لم تكن “أفضل من معاملة عناصر تنظيم داعش”. ويتابع: “تعرضنا للسلب عدة مرات ولبعض أعمال العنف في بعض الأحيان، فتركنا منطقة هيت متوجهين نحو مدينة البوكمال السورية ومنها إلى محافظة دير الزور ثم إلى الرقة التي تخضع جميعها لسيطرة تنظيم داعش، و هنا الصعوبة.”
بقيت العائلات التي هرب معها نورس نحو15 يوما في الرقة بانتظار المهرّب، حسبما ذكر ورس. نقلهم المهرب إلى مناطق سيطرة الأكراد الذين استقبلوهم استقبالاً جيداُ وتم وضعهم في مخيماتٍ مجهزة من جميع النواحي وبكافة المستلزمات.
وانتقل نورس ومن معه بعدها باتجاه مدينة إعزاز مروراً بمدينة عفرين وصولاً إلى بلدة دارة عزة، بموجب تصريح حصلوا عليه في عفرين مقابل رسم محدد.
فؤاد (45 عاماً) وكان ضمن الذين نزحوا مع نورس يقول: “أخبرنا المهرب ان عناصر تنظيم داعش ألقوا القبض على عائلاتٍ كانت قد حاولت العبور نحو مناطق سيطرة الأكراد، فقاموا بمصادرة هواتفهم وهوياتهم ونقودهم، وأجبروهم على الخضوع لدورةٍ شرعيةٍ لمدة شهرٍ كاملٍ”.
ويضيف فؤاد: “اكتفوا بذلك كونها المرة الأولى لهم، فبحسب المهرب إن تم إلقاء القبض عليهم مرة ثانية سيتعرضون للسجن والجلد، وفي المرة الثالثة قد يصل حكمهم للإعدام بتهمة الفسق و والتولي من الزحف”.
ويلفت فؤاد إلى أن النازحين كانوا يخافون أيضاً من دخول مناطق سيطرة الأكراد لما سمعوه من اعتقالاتٍ للشبان وتجنيدهم في صفوف قواتهم. وبعد رحلة شاقة استغرقت أكثر من شهرين وبكلفة زادت على ألف دولار أمريكي للشخص الواحد وصل النازحون إلى محافظة إدلب.
ويشكو العراقيون في إدلب من “سوء الخدمات في مخيمات الشمال السوري فهي تفتقر لأبسط مقومات الحياة. بغياب الاهتمام من المنظمات الإنسانية مقارنةً مع بعض المهجرين من المحافظات السورية مؤخراً والقاطنين في المخيمات المجاورة” بحسب فؤاد.
ويواجه النازحون العراقيون صعوبةً في تأمين المساكن وأساسيات العيش في الشمال السوري، وذلك بسبب توجه معظم النازحين إلى الحدود التركية كونها أكثر أماناً من غيرها. فشهدت مدينة سلقين مشكلة كبيرة إثر هذه الظاهرة كون المخيمات القائمة في المدينة ممتلئة بالمهجرين من محافظة حلب منذ بداية العام الجاري وليس لديها القدرة على استيعاب العائلات العراقية التي بلغ عددها 150 عائلة (ما يقارب الـ 500 شخص).
أبو عمر (50 عاماً) وهو أحد أبناء سرمين يقول: “يعيش اللاجئون العراقيون اليوم في ظروفٍ قاسيةٍ، المخيمات امتلأت باللاجئين من محافظة حلب وبعض أبناء ريف دمشق. كما تعيش عائلاتٌ من ريف إدلب الجنوبي في أكثر من 100 شقة سكنية في سلقين حتى يومنا هذا”.
ويعتقد أبو عمر أنه وبعد توقف القصف على بعض البلدات وبعد الإتفاق على مناطق خفض التوتر في الشمال السوري يجب على بعض النازحين ترك المجال لغيرهم في إيجاد فرص للإيواء. وهو يحمل مسؤولية هذا الأمر للمجلس المحلي في المدينة الذي كان من المفترض أن يعمل على إعادة أهالي ريف إدلب إلى منازلهم وتجهيز هذه الشقق السكنية للاجئين العراقيين منذ لحظة وصولهم.
لم تقتصر معاناة النازحين العراقيين على ما شهدوه من انتهاكاتٍ في بلادهم أو في رحلة النزوح التي استغرقت أكثر من شهرين رغم مصاعبها، أو في تشردهم وقلة الموارد التي تؤمن لهم سبل الحياة. أثناء محاولتهم العبور إلى الداخل التركي بطريقة غير شرعية، أطلقت قوات حرس الحدود التركية “الجندرما” النار عليهم، ليلقى الطفل عمر (3 سنوات) مصرعه بالقرب من منطقة دركوش على الحدود السورية التركية يوم الخميس 24 آب/ أغسطس 2017.
رئيس مركز الدفاع المدني مصطفى الحاج يوسف يؤكد: ” أنه يتم و بشكل يومي سقوط أكثر من ثلاثة قتلى عند الشريط الحدودي أثناء محاولة العبور نحو الأراضي التركية، وذلك بعد نشر قوات كبيرة من عناصر حرس الحدود التركي الجندرما، و نشر كاميرات مراقبة لرصد أي تحركات”.
ويضيف الحاج يوسف: “نحن نحذر الناس من العبور بطرق غير شرعية، كما نشرح لهم مخاطر الطرق واستغلال المهربين للوضع، كما تحذر السلطات التركية و بشكل دائم من أنه سيتم استهداف كل من يحاول دخول أراضيها بطريقة غير شرعية، و ذلك من خلال العاملين في المعابر و الذين يقومون بإبلاغ الأهالي من الجانب السوري”.
ويختم الحاج يوسف قائلاً: “كنا قد حذرنا مسبقاً عائلة الطفل العراقي عمر من التسلل عبر الحدود، لكنهم لم يهتموا بالأمر كثيرا، وأصرّوا على تلك المحاولة التي دفعوا ثمنها غالياً، ومنذ وصول العائلات العراقية حتى يومنا هذا يشهد الشريط الحدودي محاولات عبور عبر الحدود لعشرات العائلات”.