ننتظر مولودنا الجديد والبيت الآمن
عبدالله كليدو
“عليك بالبحث عن منزل آمن في أي حي آمن، حتى نستطيع أن نأمن على طفلنا القادم”
(كفرنبل- سوريا) لم يكن بالسهل أبداً إقناع زوجتي بالإقامة في هذا الحي، الذي يعتبر من أكثر الأحياء في مدينة كفرنبل تعرضاً للقصف من قبل المدفعية، غير أنه لم يتعرض سوى مرة واحدة لقصف
الطائرات. هذا الانتقال من المنطقة المصنفة آمنة بحسب الأهالي إلى المنطقة الأخطر، لم يكن حبّاً بالمغامرة طبعاً، بل بسبب عودة المالك آتياً من مخيمات النزوح في تركيا، إلى منزله الذي كنا نقيم فيه.
كانت وسائلي في إقناع زوجتي بعضا من تحليلٍ عسكري بالإضافة إلى وعظة إيمانية لها علاقة بالأمور الدينية، فأوضحت لها بأن المعسكرات التي كانت تقصف هذا الحي محاصرة منذ شهور، وهي تحافظ على ذخيرتها من أجل الدفاع عن نفسها أمام هجمات المعارضة المسلحة التي تحاصرها وتشتبك معها. وقلت لها “أليس لديك إيمان بالله المكتوب ما منو مهروب”، و”اللي كاتبو ربك بدو يصير”. كنت أعلم في قرارة نفسي أنها لم تقتنع، ولكن لم يكن هناك خيار آخر أمامها.
بعد إقامتنا في هذا الحي، تعودت عليه زوجتي شيئاً فشيئاُ ولم نتعرض لأي قذيفة مدفعية من المعسكرات التابعة للنظام والمحاصرة منذ تسعة أشهر تقريباً، زوجتي على أبواب أن تضع مولودها الأول، فهي في أواخر شهرها التاسع. وبسبب المعارك التي تعلنها المعارضة على المعسكرات التابعة للنظام، يواصل الطيران الحربي تحليقه في الأجواء طيلة النهار. زوجتي لا تخاف الطيران، لأنه لم يعتد أن يقصف هذا الحي، فليس هناك من هدف محدد فيه ولا يقع بجانب أحد مقرات المعارضة، ومع هذا ولزيادة الأمان تختبئ زوجتي أسفل درج البيت.
تعرضت بلدة “حاس” المجاورة لمدينتا صباح الخميس 24 أيلول/سبتمبر 2014 لقصف الطائرات، سمعت صوتها زوجتي فهربت لمخبئها. رفضت اللحاق بها لكي أشعرها بأن ليس هناك من داع للهرب. في اليوم التالي أيقظتني زوجتي مرتعبة. طائرة في الأجواء وصوتها يشتد فما كان مني إلا أن ركضت مسرعا معها لأسفل الدرج. كانت الطائرة قد اقتربت كثيرا ولكن ما كنا نسمعه في لحظات، اتضح لنا أنه صوت قذائف الطائرة وليس الطائرة نفسها، تبعها صوت انفجار قوي في المنزل الذي يجاورنا. لم استطع الخروج لإسعاف المصابين بسبب الخوف والرعب الذي اعترى زوجتي.
مع انتهاء الغارة وجدت نفسي أقرأ في نظرات زوجتي المرعوبة، “أرأيت كل تحليلاتك العسكرية لم تجدِ”. كان علي إخراجها من هناك بعد تحطم كل الزجاج في المنزل، أخرجتها على دراجتي النارية إلى منزل أهلي في الحي الآمن، حيث وجدت عندهم خالي وعائلته الذين نجوا من الغارة أيضاً. وبعد جلسة تحليلية مع خالي وأبي للضربة والأسباب التي جعلت الطائرة تقصف الحي، أعدّت أمي الطعام، وبالرغم من أن حالتهم المادية ليست جيدة إلا أن أبي أحضر دجاجة كاملة للغداء فهو لم يكن يتوقع هذا الكم من الضيوف، مع العلم أننا كنا خمسة عشر فردا مجتمعين عندهم، أنا لم أقرب الطعام متذرعاً بحالتي النفسية السيئة، كذلك أبدى خالي نفس الشعور بعدم القدرة على تناول الطعام، إلا أننا كنا أنا وخالي ندرك جيداً بأن الطعام لن يكفي.
زوجتي لم تعد ترغب العودة إلى المنزل نهاراً، ولكنها تدرك أيضا أن هذا “الحشد الكبير” في منزل أهلي يثقل كاهلهم، هي تبحث عن حلول وتفكّر بمخارج لكنها ليست كثيرة بل ومستحيلة، فتعود وتقول لي:” لن أعود للمنزل نهاراً ولن أذهب إلى أهلك كل يوم، سأذهب إلى أهلي وأنت إلى أهلك هذا أقل ما نستطيع فعله الآن، وأنت عليك بالبحث عن منزل آمن في أي حي آمن، حتى نستطيع أن نأمن على طفلنا القادم”.