نفط دير الزور عرضة للنهب

*رهيف غانم

انتشرت في الآونة الأخيرة في ريف مدينة دير الزور ظاهرة سرقة النفط الخام، حيث يقوم تجار الأزمات واللصوص بثقب أنابيب النفط لاستخراجه وبيعه، فتجارة النفط أصبحت عمل من لا عمل له، والجميع يعمل بها بشكل كبير وفي العلن.

 حقول النفط في هذه المنطقة كانت تساهم بما يزيد على مئتي ألف برميل من مجمل الإنتاج النفطي السوري الذي كان يبلغ 350 ألف برميل يومياً، قبل بداية الحرب. ويعتبر الناشط الميداني الإعلامي عبد الكريم ( 35 عاماً) “إن سيطرة بعض الكتائب والسماسرة على المنابع النفطية لم يعد بالنفع على الأهالي، الذين ينظرون للأمر على انه استمرار لسياسة سرقة عائدات النفط التي قام بها النظام طيلة أربعين عاماً”.

معدات لتكرير النفط يتم نقلها عبر الحدود الشمالية إلى تركيا - يوتيوب
معدات لتكرير النفط يتم نقلها عبر الحدود الشمالية إلى تركيا – يوتيوب

 يضيف عبد الكريم “سحب الدخان التي تغطي سماء ريف دير الزور ليست ناجمة عن قصف لقوات النظام وليست لسقوط طائرة حربية، بل هي ناتجة عن عملية تكرير النفط الخام، بطريقة بدائية”. تشمل هذه العملية وضع برميل على النار وتمديد أنبوبين إليه ويتم زيادة حرارة النار تدريجياً لتصل إلى درجة معينة، على أثرها يرشح البنزين والمازوت كل واحد في أنبوب، فكل مشتق من النفط يحتاج لدرجة حرارة معينة لكي يتم عزله عن السائل الأساسي. ويختم عبد الكريم “أي شخص بإمكانه ممارسة مهنة “الحرّاقات” هذه وهي تجد انتشاراً في ريف دير الزور والرقة والحسكة وحلب وإدلب وصولاً إلى أطراف اللاذقية، فنقص الموارد أجبر السكان على شراء هذه المشتقات غير الصالحة للاستعمال في التدفئة والطبخ، لرخص ثمنها وتوفرها.”

 العائدات المالية لعمليات بيع النفط الخام والمكرر يدوياً، جعلت من يسيطر على الآبار من تجار وسماسرة يتغاضون عن الأضرار الصحية الناجمة عن التكرير اليدوي، والتي تهدد بكوارث إنسانية وبيئية بدأت بالظهور بشكل كبير في هذه المناطق على شكل أمراض معدية وحالات حروق واختناق كثيرة.

أحد الأطباء الذي رفض الكشف عن اسمه تحدث قائلاً: “قام بعض السكان باختراع آلات تكرير يدوية، ينتج عن هذه العملية مشتقات نفطية سيئة الجودة وخطيرة على الصحة، وقد تسببت بحوادث كثيرة راح ضحيتها عشرات المدنيين مابين الموت والحروق والسرطانات، هناك انبعاثات غازية تنتج عن عملية احتراق النفط الخام يكون تأثيرها مباشر في بعض الحالات، وتراكمي في حالات أخرى، تؤدي إلى مجموعة من المشاكل الصحية على مستوى الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والأوعية الدموية”.

 ويقول هيثم وهو ناشط إعلامي “المستفيدون من هذا الوضع فئات محدودة تقوم باستخراج النفط وبيعه، فالكتائب التي تسيطر على الآبار تقوم ببيع قسم من النفط للنظام بأسعار متفق عليها، وقسم لتركيا وقسم للداخل، وهناك حراسة مشددة على كل بئر تتكون من عدة عناصر بالإضافة لدبابة ومضادات للطيران”. وبدأت حملة إعلامية مع بداية تجارة النفط منذ ستة أشهر وما زالت مستمرة، وتشارك فيها فعاليات كثيرة، وخصصت قناة الجزيرة مباشر نافذة تفاعلية لمدة ساعة للحديث عن هذا الموضوع. ويرفض هيثم أن تكون ثروات البلاد بيد فئة معينة وأن تستثمره بشكل شخصي، “كل كتيبة سيطرت على آبار معينة، والتزمت باقي الكتائب باحترام سيطرتها كما قامت تلك الكتائب بتأمين الحماية لهذه الآبار، ومنعت أي شخص من الاقتراب من مناطق سيطرتهم”.

 يبدو الحديث عن الأضرار الصحية والبيئية الخطيرة جراء ما يحصل أمراً ثانوياً هنا. فالمواجهات على خلفية السيطرة على منابع النفط وعائداته الضخمة تنتهي بقتلى وجرحى، وفي آخر فصول هذه المعارك النفطية اشتباكات بين عناصر من “جبهة النصرة” ورجال القبائل في بلدة المسرب عند الحدود مع العراق، على خلفية نزاع على شاحنة نفط مسروقة، ما أسفر عن وقوع 37 قتيلاً وتدمير نحو 30 منزلاً في البلدة، بحسب ما نقلت وكالة رويترز عن المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي تحدث عن معارك بدأت في آخر شهر آذار / مارس واستمرت عشرة أيام في إطار الصراع على النفط. ولم يقتصر الأمر على مواجهات وقعت بين الجبهة والقبائل بل سجل أيضاً معارك طاحنة بين الجبهة و”كتائب الفاروق” التي تعرض قائدها محمد الضاهر الملقب بأبي عزام لمحاولة اغتيال عبر تفخيخ سيارته بعبوة ناسفة نهاية شهر آذار/ مارس.

“يدّعي عدد من كتائب “الجيش الحر” أن جميع العائدات النفطية الناتجة عن الآبار الخاضعة لسيطرتها، تصرف على شراء السلاح والذخائر”، يتندر محمد بهذه المقولة وينفيها وهو العضو في أحد المجالس المحلية في ريف دير الزور “التي لا حول لها ولاقوة، فهي قامت بإصدار عدة قرارات لمنع هذه التجارة لكن عدم وجود قوة لديها لفرض قراراتها حال دون تنفيذها”. كما أصدرت الهيئات الشرعية عدداً من الفتاوى تحرم التجارة بالنفط، دون أن يكون لها أثر ملموس.

أما قصي، أحد قادة كتائب “الجيش الحر”، فلديه رواية مختلفة لما يجري، ويقول إن فرقته تحاول وقف التعدي على الآبار.

ويضيف “لم يكتفِ اللصوص بسرقة النفط، بل تعدّى ذلك إلى سرقة ونهب معدات وأجهزة الاستكشاف والحفر وأنابيب النقل الممتدة لمئات الكيلومترات”. ويضيف قصي “لقد قمنا بنصب حواجز على الطرقات في المناطق المحررة لمنع عمليات تهريب النفط وعمليات سرقة المعدات والحفارات، التي تعدّ ثروات للوطن وملك كافة السوريين، ويجب المحافظة عليها لأهميتها في عملية إعادة اعمار الوطن بعد إسقاط النظام”.

يذكر انه انتشرت في الآونة الأخيرة عدة فيديوهات تظهر عمليات نقل لأجهزة و معدات ثقيلة خاصة بالحفر تقدر قيمتها بملايين الدولارات إلى خارج الحدود السورية. وتجدر الإشارة إلى أن طرفي النزاع في سوريا يعترفان بأن حجم الخسائر التي لحقت بهذا القطاع من تدمير ونهب وتعطيل تقدّر بمئات ملايين الدولارات وبعشرات المليارات بالعملة المحلية.

وكان الاتحاد الأوروبي قد تبنّى يوم الاثنين 22 نيسان / أبريل قراراً سمح بموجبه لدوله الأعضاء بإجراء تعاملات في استيراد النفط والمشتقات النفطية وتصدير التجهيزات الأساسية والتقنيات لصناعة النفط والغاز، والاستثمار في صناعة النفط في سوريا، بهدف دعم المعارضة السورية. من جهته انتقد رئيس “الائتلاف الوطني” المستقيل أحمد معاذ الخطيب القرار الأوروبي، وقال الخطيب في تعليق على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: هل يتعامل الاتحاد الأوربي مع عصابات؟ كيف يمكن للثروات الوطنية أن تُباع من قبل فريق معروف إلى فريق مجهول؟ من هي الجهة السياسية أو التنفيذية التي ستوقع على صك بيع النفط السوري وتُشارك في نهب ثروات سوريا؟”

*رهيف غانم هو اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا