نعم أنا أكره العمل التطوعي

انسة سورية تعطي درساً لاطفال نازحين في مدرسة أقيمت بشكل مؤقت في بلدة المسيفرة بريف درعا الشرقي.

انسة سورية تعطي درساً لاطفال نازحين في مدرسة أقيمت بشكل مؤقت في بلدة المسيفرة بريف درعا الشرقي.

قد تستغرب وتستنكر ويمكن أن تهزأ بي وبثقافتي المجتمعية، عندما أقول لك أنني أكره العمل التطوعي. أكرهه بقدر كرهي للجحيم الذي نعيشه في هذه البقعة الصغيرة المسماة بإدلب، أو كما يحلو للبعض تسميتها بسوريا الصغيرة.
التطوع كمفهوم في دول العالم هو العمل العام الذي تؤديه دون مقابل مادي، بعد عملك الرئيسي الذي تتقاضى عليه أجراً شهرياً. ويشعرك هذه العمل بالتكافل الاجتماعي والانتماء للمجتمع الذي تعيش فيه.
كي تستمر بالحياة في هذه البقعة الصغيرة عليك أن تعمل لساعات طويلة بأجر أقرب أن يكون مصروف الأطفال عندما يذهبون إلى المدرسة. لذلك عليك أيضاً أن تعمل أكثر من مهنة حتى تؤمن معيشتك الشهرية. طبعاً إن وجدت العمل.
أغلب فرص العمل في إدلب تطلقها المنظمات والجمعيات الخيرية. وبالنسبة لي لم يكن أمامي باب في هذه الفرص سوى باب التعليم. بحكم أنني سنة رابعة في كلية التربية، ولم أستطع أن أكمل دراستي بفضل الحرب. حاولت كثيراً العمل، ولا أخفي أنني استعنت ببعض المعارف لدعم موقفي، علّني أصل إلى فرصة التعليم التي لطالما حلمت بها.
بعد عدة محاولات مني ومن المعارف فشلت كل المساعي وكأنني الوحيدة غير المتخرجة وتريد العمل. أحد الموظفين بالمجمع التربوي التابع لمديرية التربية في إدلب نصحني أن أعمل بشكل تطوعي، إلى حين أن تأتيني فرصة، ويكون لي الأحقية في التعليم، وذلك في حال تبنت المدرسة إحدى المنظمات.
قبلت، وعملت متطوعة في إحدى القرى القريبة لمدة عام ونصف العام. لا يدرك البعض حجم الحسرة عندما تشاهد من يعملون معك يتقاضون أجورهم الشهرية وأنت لا. ولكن ما يواسيني هو أنني لست المتطوعة الوحيدة في المدرسة، فهناك أكثر من 3 معلمين يعملون بشكل تطوعي.
بعد هذه الفترة وفي منتصف السنة الثانية التطوعية استدعاني مدير المدرسة. عندما دخلت إلى الإدارة، رأيت ابتسامة خفيفة مرتسمة على وجهه. توقعت حينها خبراً جيداً، لأن المدير حاد الطباع وليس من عادته الابتسام.
جلست وأنا أنتظر بلهفة تدفق الكلام من فمه. وبعد السلام صمت قليلاً، فدفعته للكلام لعدم صبري، قهقه قليلاً وقال: “لا تستعجلي على رزقك”.
أجبته: “لست مستعجلة ولكن انت طلبت حضوري وتريد أن تخبرني شيئاً وأريد أن أعرف ما هو”.
أجابني: “هناك منظمة تريد أن تتبنى المدرسة مع الكادر التدريسي الموجود فيها”.
أخفيت فرحتي التي بدت ظاهرة جلية على وجهي وخرجت مسرعة لأخبر زوجي بالخبر السار.
في المنزل بدأ زوجي بالتشاؤم وطرح الاستفسارات التي لا أملك إجابة عليها. ماذا لو طلبت المنظمة أن يكون الكادر التدريسي ممن يملكون إجازات جامعية؟ ماذا لو عينوا معلمين من الناجحين في مسابقة التربية وينتظرون شواغر التوظيف؟
أقنعت نفسي بأن تساؤلات زوجي غير جدية، لأنه كان ضد عملي التطوعي لهذا لن يكون متفائلاً مثلي، وهل يمكن أن يعين أحد آخر مكاني وأنا التي درّست سنة ونصف السنة بشكل تطوعي!
يبدو أن كل شيء ممكناً في هذه البقعة الصغيرة. رسالة من المدير على تطبيق الواتس أب على هاتفي تحمل اعتذاراً صغيراً بأن شروط المنظمة لا تنطبق علي. لم أجب على الرسالة، ولم أعلّق على الموضوع، وحتى لم أخبر زوجي الذي كان يعلم مسبقاً ما كان سيحدث.
لست الوحيدة التي تتجه للعمل التطوعي، ليس حباً به ولكن من أجل الفرصة الضعيفة بوجود أمل في الوصول إلى العمل الحقيقي. العمل الذي تتلقى عليه تعويضاً مادياً يسعفك في حياتك، وهناك من نجح في الأمر وهناك من فشل مثلي.
زوجي يعمل في راديو محلية. هو أيضاً يعمل فيها متطوعاً منذ 4 أشهر بعد انقطاع الدعم عن شمال غرب سورياً. ويفكر زوجي حالياً بالعمل في محل للحلويات مقابل أجر زهيد قد يعادل مصروف الأطفال عندما يذهبون إلى المدرسة.

مريم محمد (24 عاما) من إدلب متزوجة وأم لطفلين توقفت عن متابعة دراستها الجامعية في سنتها الرابعة بسبب الحرب.