نشطاء يقللون من أهمية الخلافات بين فصائل المعارضة
“الثورة لم تصل لذاك الحد الذي يبعدنا عن عادات مجتمعاتنا بل هناك عدة طرق تجعلنا نعبر عن موقفنا دون اللجوء إلى ما ينافي أخلاقنا.”
عبرّت الناشطة “نسائم الحرية” في هذه الجملة عن سخطها من الطريقة التي اعتمدتها بعض الفتيات للتعبير عن رفضهن القتل والمطالبة بإيقافه وهن يفترشن الأرض بأجسادهن في مجمع شام سيتي سنتر التجاري في دمشق، لكون هذا التصرف لا يراعي سترة جسد المرأة. أدّت هذه الجملة إلى نقاش عميق جرى في الفضاء الإنترنت الإفتراضي الذي يجمع النشطاء في غياب اللقاء الفعلي فيما بينهم بسبب اشتداد القبضة الأمنية. في مقابل الآراء التي أيدت رأي نسائم، كان هناك من رأى أن من حق أي فرد كان التعبير عن موقفه طالما أن هدفه يخدم الثورة.
هذا النقاش يعبر عن أحد الخلافات المتعددة التي بدأت تظهر في كتابات النشطاء، منها اتهام الحراك الثوري هيئة التنسيق الوطنية بأن مواقفها لا تعبر عن تطلعات الشعب، الذي منح الشرعية للمجلس الوطني السوري. وقد وصلت هذه الإتهامات في بعض الأحيان إلى حد الإتهام بخيانة الثورة أو بالطائفية كلما احتدم الجدل بين المطالبين بالتدخل العسكري الأجنبي من جهة والمتمسكين بالخيار السلمي من جهة أخرى.
إن حالات التخوين، كما تقول نسائم، لم تظهر إلا في الآونة الأخيرة، حيث صُّوِبت نحو جهة أو جهتين تحمل شعارات السلمية بطريقة مبهمة، دون التركيز على أن القتل يكون من طرف واحد، وهو النظام، ما أدخل شكوكاً لدى الثوار بمصداقية هؤلاء، وصلت لدرجة اتهامهم بأن النظام وراء هؤلاء المعارضين.
“لست في صدد ذكر الجهات،” تضيف نسائم، “واعتراضنا ليس على فكر تلك الأطراف وعقيدتها بقدر اعتراضنا على شعاراتهم وطريقة طرحهم الثوري الذي يجعلنا نشك بهم، خاصةً أن النظام لا يقوم بقمعهم وزجهم في السجون لشهور كما باقي أطراف الحراك الشبابي”.
“في بداية الثورة،” تقول نسائم، “شاركت شخصياً بوقفات سلمية وكانت فعلاً ثورة سلمية وكنا مؤمنين بإمكانية الوصول إلى مرحلة النصر من خلال هذه الأساليب (…) إلا أننا تجاوزناها بمراحل كثيرة فليس من المنطق بعد كل هذه الجرائم من قبل النظام أن نواجه القاتل بوردة أو نطلب منه الرحمة.”
في الجهة المقابلة، كانت الرغبة في إرساء القيم العلمانية مع المحافظة على سلمية الحراك الثوري وراء سعي البعض إلى تأسيس مجموعات جديدة كانت محل شك أولئك الذين فقدوا الأمل بالخيار السلمي.
“نريد أن نحلم ونحقق أحلامنا دون دماء تسفك، دون أن نودع أخوة وأصدقاء وأقارب وأبناء وطن واحد.” هذا هو الهدف الذي دفع رامي إلى الإنضمام إلى تجمع “أوقفوا القتل” السلمي، على حد قول رامي نفسه. رامي يستنكر العنف أياً كان شكله ويسعى إلى إيصال صوته إلى جميع فئات الشعب السوري، لا سيما الفئة الصامتة منه، على حد تعبيره.
“التركيز على الجانب السلمي (…) أدى إلى تخويننا في كثير من الأحيان من قبل التجمعات الثورية لأننا لم نوضح موقفنا ضد جهة واحدة، أي النظام، من العنف الحاصل،” يضيف رامي.
سمير إبراهيم، أحد نشطاء الحراك الشعبي، يُرجع هذه الخلافات إلى الإختراقات الأمنية التي يقوم بها النظام. الإنخراط في الثورة، كما يقول إبراهيم، لم يكن له محرض سياسي، بل كان نابعاً من إيمان راسخ لدى النشطاء بثورتهم، تمثل بتنظيم الإحتجاجات والعمل الإغاثي على الأرض. ولكن تلك التجمعات التي ولدت من رحم الثورة، يضيف إبراهيم، لم تكن قادرة على حماية نفسها من الإختراقات بسبب القبضة الأمنية المفروضة وقلة الخبرة في العمل الثوري والميداني، ما أدى في الآونة الأخيرة إلى ظهور بعض الخلافات بين تلك التنظيمات وصلت إلى حد التخوين.
هذا الرأي يدعمه الناشط حسن سعيد، الذي يقلل من أهمية هذه الخروقات الأمنية في الوقت نفسه.
“أنا لا أرى أن موضوع التخوين المطروح يؤثر بشكل فعال على الحركة الثورية الشعبية،” يقول سعيد، “بل ربما في حالات نادرة كان مكان خلاف في ظل عدم التنسيق التام بين النشطاء على أرض الواقع، الأمر الذي يعود إلى القبضة الأمنية المُحكمة.”
يضيف سعيد أن هذه الظروف الميدانية كانت أيضاً السبب وراء تأجيل الحوار فيما بين الجماعات المختلفة حول الأفكار السياسية، بسبب الإنشغال بالتنسيق الميداني، مما أدى أحياناً إلى غياب أجواء الثقة بين هذه الجماعات. إلا أنه يعود ويؤكد أن هذه الخلافات ما هي إلا “فقاعات ستزول مع انتصار الثورة”.
العضو في إحدى التنسيقيات الكردية محمد محمود يعتقد أيضاً أن هذه الخلافات لن تؤثر على المصلحة الثورية العامة لسوريا في مرحلة ما بعد سقوط النظام ويعيد سبب التشكيك والخلافات التي بدأت تطفو على سطح الأحداث إلى إطالة عمر الأزمة من جهة، ومحاولة النظام زرع الفتنة الطائفية بين مكونات المجتمع السوري من جهة أخرى، إضافةً إلى الخلافات البارزة بين قوى المعارضة.”
من جهته، يحصر الناشط حسام أحمد هذه الخلافات فقط بين اتجاهين فكريين في الثورة، مشيراً إلى العلمانيين الذين يتهمون الإسلاميين بجر البلاد إلى منحى ديني، والإسلاميين الذين يتهمون العلمانيين بإدخال أفكار وشعارات بعيدة عن طبيعة المجتمع وعاداته وشريعته الإسلامية. في المقابل، يشير أحمد إلى وجود بعض التيارات المعتدلة، دينية كانت أم علمانية، تدعو “إلى رفع شعار حرية الفرد في التعبير عن أرائه وأفكاره ضمن حدود المصلحة الوطنية،” على حد تعبيره.
يراهن حسام أحمد على متانة النسيج الإجتماعي السوري لتخطي أي خلاف في المستقبل، بما أن “سوريا تشكل فسيفساء سكانية نادرة فيها كل الأديان والطوائف والإثنيات والإيديولوجيات تتعايش منذ آلاف السنين،” بحسب أحمد الذي يؤكد أن “كل هذا الانقسام الحاصل مفتعل من قبل النظام الاستبدادي ومع زواله ستعود سوريا إلى حضارتها وتعايشها وتآلفها كما كانت”.
في مقابل الأصوات التي تشيع الشك فيما بين أطراف المعارضة، هناك دوماً أصوات معتدلة تحاول جذب الطرفين إليها. تقول الناشطة الإعلامية سيرين (إسمها المستعار) إن عند إنهاء الحكم الاستبدادي ستتغير النفوس وتغيب حالة الاحتقان فيما بين نشطاء المعارضة، الذي أحد أهم أسبابه الضغوط النفسية وغياب الخبرة بالحياة السياسية لدى جيل الشباب. مع كل هذا، تؤكد سيرين بثقة، سيكون التوافق سيد الأحكام لدى أبناء الوطن، مع التنبه إلى ضرورة رصّ صفوف المعارضة.
“الدعوة المتكرّرة إلى إيجاد شكل من أشكال التوحيد القائم على التنسيق والتكامل بين القوى الثورية في سوريا مع الحفاظ على الاستقلال الذاتي الميداني لكل منها،” تقول سيرين، “هي دعوة صادرة عن اليقين بأن هذا أصبح شرطاً بالغ الأهمية في المرحلة الراهنة.”