نشطاء الثورة السورية في اسطنبول
كناشطة في الداخل، ارتسمت في ذهني صورة النشطاء السوريين المقيمين في اسطنبول وهم يسكنون الفنادق ويعيشون حياة مريحة. فقد أطلق نشطاء الداخل على نشطاء الخارج، ولاسيما على هؤلاء الذين يعيشون في اسطنبول، تسمية “معارضة الفنادق”. يقال إنهم يتلقون دعماً مادياً ومعنوياَ غير مشروط من قبل بعض الأطراف الدولية ذات الصلة بالثورة السورية. ولكن عندما ذهبت إلى اسطنبول والتقيت بعدد من الناشطين السورين هناك، زالت الصورة التي كانت في ذهني، وتوضح لي حجم المعاناة التي يعيشها البعض ممن اضطروا إلى مغادرة سوريا واللجوء إلى تركيا.
يلماز سعيد الذي يبلغ من العمر 24 عاماً مثال على ذلك. يعمل يلماز في صفوف “حركة شباب الكورد” في تركيا. استقبلني في منزله المتواضع الواقع في أحد الأحياء الفقيرة في اسطنبول. استأجرت الحركة هذه الشقة المؤلفة من غرفتين ومنافعهما لاستقبال اللاجئين والنشطاء ممن لا يتوفر لهم مسكن. معظم السوريين يعبرون الحدود بطرق غير شرعية، ليجدوا أنفسهم غرباء في هذه المدينة الكبيرة، على حد وصف يلماز. يقطن في هذا المنزل حالياً أربعة شبان، أحياناً يصل عددهم إلى عشرة، حسب أحد المقيمين. بدا هذا المنزل وكأنه يختزل معاناة المغترب السوري. لكل ناشط قصة تختلف عن قصة الآخر.
استقبلني الشباب في غرفة الجلوس وكانوا جميعهم من كرد سوريا. عُلق على أحد جدران الغرفة علم كردستان بالألوان الأحمر والأبيض والأخضر والشمس تستطع في منتصفه. يقول يلماز: “بالطبع غالبية الذين يأتون إلى هنا هم من الكرد، ولكن باب هذا المنزل مفتوح لكل لاجئ أو شاب ثائر لا يتوفر له مسكن في اسطنبول بغض النظر عن عرقه أو دينه.”
يمثل يلماز”حركة شباب الكورد” في تركيا ويشارك في الفعاليات السياسية. فيقوم بتنظيم ندوات ومظاهرات ويشارك في مؤتمرات سياسية باسم الحركة. اضطر إلى الخروج من سوريا نهاية يوليو/تموز من عام 2011. لم يتعرض لمضايقات من قبل السلطات التركية غير مرة واحدة في مطار اسطنبول:
” تم احتجازي في مطار أتاتورك لمدة 16 ساعة دون وجود مبرر واضح، وذلك أثناء عودتي من القاهرة بعد حضور اجتماع للمعارضة مع دول أصدقاء الشعب السوري. احتجزتني السلطات التركية، ولكنها لم توجه لي أية إساءة. وقد تم الإفراج عني بعد تدخل أعضاء المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري آنذاك.”
أردت معرفة المزيد عن الحياة اليومية التي يعيشها الناشطون في بلد لا يعرفون لغته ويقيمون فيه لأول مرة في حياتهم. وجهت السؤال إلى سليمان بلال الذي يسكن بدوره في هذا المنزل. يبلغ سليمان من العمر 25 عاماً، متزوج ولديه طفلة تركها مع أمها في سوريا، ويعمل في حزب “الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا” (يكتي). يقول سليمان: “هناك صعوبات متعددة أهمها اللغة. فالشعب التركي متعصب للغته ويرفض التحدث بأي لغة أخرى. لذلك كثيراً ما يحاول النشطاء تعلّم اللغة التركية علهم يستطيعون أن يجدوا عملاً في مجال الترجمة.”
يشير سليمان أيضاً إلى قلة فرص العمل. كان يدرس في سوريا المعلوماتية والحاسوب سنة رابعة واضطر هنا للعمل في محل جملة “التجارة”. ورغم أنه يتقاضى راتباً شهرياً يبلغ 600 دولاراً، ولكن هذا المبلغ لا يكفي لتأمين المتطلبات الضرورية في مدينة تعتبر باهظة بالنسبة إلى السوري، على حد قوله ويستطرد قائلاً: “لحسن حظي أنني أقيم في هذه الدار. فالإيجارات مرتفعة في اسطنبول وقد تحتاج إلى كفيل تركي من أجل استئجار منزل. أيضاً نعاني من صعوبات في الحصول على الإقامة. فبعد ثلاثة أشهر يترتب على السوري مغادرة تركيا. ولكن لحسن الحظ سمحت الحكومة التركية الآن بإعطاء الإقامة للسوريين لمدة سنة، ولكنها تكلفنا ما بين 350 و400 دولار.”
لفت انتباهي التوقعات العالية التي يربطها الناشطون القادمون من سوريا بالقوى المعارضة السورية في اسطنبول وخيبة أملهم إذا لم تتحقق هذه التوقعات. لؤي عبيد مثال على ذلك. تعرفت عليه في اسطنبول من خلال أصدقائي. لؤي من حلب، يقيم حالياً عند أحد أقربائه، عمره 27 عاماً متزوج ولديه طفل. كان ناشطاً وصحفياً وقد اضطر إلى مغادرة سوريا مع عائلته عندما اشتدت النزاعات المسلحة في حلب.
لؤي عاطل عن العمل حالياً وينفق على نفسه وعائلته مما ادخره عندما كان يعمل صحفياً في إحدى المؤسسات الإعلامية في سوريا والتي رفض ذكر اسمها. ويفكر في حال استمرار وضعه الاقتصادي على هذا الشكل بالعودة إلى حلب.
ويرى لؤي أن الجهات المعارضة المتواجدة في اسطنبول لا تقوم بواجبها على أكمل وجه تجاه النشطاء الشباب الذين اضطروا إلى مغادرة بلادهم. فالمعارضة حتى وإن قدمت مساعدة فهي مساعدة وفقاً لأجندتها الخاصة، حسب رأيه. ويتابع قوله “كنت أتوقع من الجهات المعارضة في اسطنبول أن تقوم بتقديم المساعدة لي، سواء في إيجاد مسكن أو إيجاد عمل يعينني أنا وأسرتي في هذه الغربة التي فُرضت علينا.”
يختم لؤي حديثه بالقول:
“من المهم أن يخرج المرء من عباءة الثورة باحثاً وإن كان بمشقة عن حياة جديدة.عندئذ سيكتشف واقعا مزرياً. فالمعارضة تعمل في فلك خاص بها: محسوبيات ومعارف وعلاقات. وإن حاول أحد طلب المساعدة والاحتفاظ باستقلاليته السياسية فلن يتلقى أية المساعدة. وهنا تكتشف أسباب تأخر انتصار الثورة السورية وهو عدم الصدق تجاه الغير. فلا أحد يقدّر جهودنا ولا يهمه ما يحصل لنا. والاكتشاف الأهم هو أنني أدرك الآن أن هذه المعارضة تعتاش على أكتاف الشباب المضحين في الداخل.”
وفي رد على هذا الاتهام، كتب عضو “المجلس الوطني السوري” محمد سرميني المقيم في اسطنبول رسالة إلكترونية، جاء فيها: “استقبال أخوتنا الناشطين هذا واجب علينا وليس تفضل، لكن في الحقيقة المجلس الوطني لم يكن لديه مخصصات مالية من أجل دعم الناشطين وعوائلهم الذين يقصدون اسطنبول، ومع ذلك تم صرف بعض المخصصات بشكل متواضع لتأمين مصاريف وسكن لبعض الناشطين.”